العراق: تفريط بالمقدرات وتواطؤ السلطات(23 تموز 2025)
العراق: تفريط بالمقدرات وتواطؤ السلطات(23 تموز 2025)
بقلم/عدنان صگر الخليفه
يمر العراق اليوم بمنعطف حرج، تكشف حقائقه المؤلمة عن حجم التحديات التي تواجه البلاد. في ظل حكم الأحزاب ذاتها التي تتناوب على السلطة منذ 2004، تآكل مفهوم "المسؤولية الوطنية" ليحل محله مصالح ضيقة وتقاسم نفوذ، أدى إلى تفريط بمقدرات العراق وتواطؤ معيب على آلام شعبه. تجلى ذلك بوضوح في السكوت المريب عن فاجعة الكوت، والتفريط المنهجي بمياهه وحدوده، وعلى رأسها قضية خور عبد الله.
قضية خور عبد الله ليست تفصيلاً جغرافياً، بل نقطة فاصلة تكشف تهاون السلطات العراقية بحماية سيادة البلاد ومقدراتها. الاتفاقية المبرمة في 2012 وصُوت عليها في 2013، في ظل حكومة نوري المالكي وبرلمان أسامة النجيفي، كانت نتاج توافق قوى سياسية ما زالت تهيمن على المشهد. هذه القوى، بمختلف أطيافها – سواء من الإطار التنسيقي والأحزاب الشيعية المتماشية، أو الأحزاب السنية والكردية التي وافقت ضمنياً أو لم تعارض بفاعلية – تتحمل مسؤولية تاريخية عن إقرار اتفاقية يراها الكثيرون تفريطاً بحدود العراق ومنافذه المائية الحيوية. اليوم، وبعد أن عادت الكرة إلى ملعب الحكومة والبرلمان والرئاسة إثر قرار المحكمة الاتحادية، نجد تكتيك "تمرير الكرة" والتهرب من المسؤولية قد بلغ ذروته. فالبرلمان رد الاتفاقية إلى الحكومة وهو يعلم تماماً أن الحكومة ورئاسة الجمهورية كانتا قد طالبتا المحكمة بالعدول عن قرارها الذي يخدم العراقيين بإعادة التصويت على الاتفاقية، وذلك لأنهما موافقتان على إعطاء الخور للكويت. إن رد البرلمان الاتفاقية إلى الحكومة، بدلاً من رفضها، دليل على رغبة هذه القوى في رفع الحرج عن نفسها قبل الانتخابات، خشية من عقاب شعبي يدركون حجمه. هذا السلوك يعكس ضعف الإرادة الوطنية وغياب الشجاعة في مواجهة حقائق التفريط.
فاجعة حريق هايبر واسط في الكوت لم تكن مجرد حادث عابر، بل صرخة مدوية تكشف عن عمق الفساد والإهمال المتجذر في مفاصل الدولة. لو حدثت في أي دولة تحترم مواطنيها، لاستقالت الحكومات وحوسب المسؤولون الكبار. لكن في العراق، تمر الكوارث والدماء تُراق دون محاسبة. السكوت عن محاسبة المقصرين ليس تقصيراً، بل تواطؤ يكرس ثقافة الإفلات من العقاب. الأحزاب الحاكمة منذ 2004 مسؤولة مباشرة عن الفشل في بناء دولة قوية، وعن الفساد الذي استنزف البنى التحتية وجعل الأرواح رخيصة. الفساد تغلغل ليصبح جزءاً من آلية عمل هذه الأحزاب، حيث تُستباح المقدرات وتُنهب الأموال باسم "المحاصصة" وتقاسم النفوذ.
الخطورة الأكبر تكمن في تكتيكات هذه القوى للحفاظ على سيطرتها وإسكات الأصوات المعارضة. تحذيرات الأستاذ عباس الأسدي، المفتش العام السابق، من أن الأحزاب قد تفتعل "فاجعة كبيرة" لإلهاء الشعب عن قضايا أساسية كخور عبد الله والكوت، ليست مجرد تخمينات، بل قراءة عميقة لأساليب "الهروب إلى الأمام". استهداف الأسدي نفسه، وتلفيق القضايا ضده، وإجباره على التواجد خارج العراق، دليل صارخ على أن منظومة الفساد لا تتورع عن سحق كل من يحاول كشف الحقائق والدفاع عن مقدرات العراق.
الخلاصة: القراءة المتأنية للمشهد العراقي تكشف أن الأحزاب المتنفذة، بمختلف أطيافها وتفرعاتها، والتي حكمت البلاد منذ ما يقارب العقدين، هي المسؤولة عن الوضع المتردي. إنهم، في جوهرهم، لا يمتون بأي صلة حقيقية للمحافظة على العراق ومقدراته وسيادته. لذا، فالمحاسبة واجب وطني. الانتخابات القادمة هي الفرصة الأخيرة للمواطن العراقي ليقول كلمته. فكل صوت يُمنح لهذه الأحزاب، أو لمن يتماشى مع نهجها، هو موافقة ضمنية على التفريط بالحقوق، والحدود، والمقدرات، وعلى استباحة الدماء، واستمرار الفساد. على الشعب العراقي أن يعي أن صمته أو تصويته للخطأ هو مشاركة في الجريمة. الوعي هو سلاح المحاسبة الأول، وصندوق الاقتراع هو ساحة المعركة الحقيقية لإعادة العراق إلى أصحابه.
التعليقات الأخيرة