• مصر
  • الثلاثاء، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 02:21:00 PM
news-details
مقالات

رغيف الخبز مقابل الحياة: مجازر مراكز المساعدات فى غزة ..!

رغيف الخبز مقابل الحياة: مجازر مراكز المساعدات فى غزة ..!

 

بقلم: د. عبد الرحيم جاموس

 

في الوقت الذي يتهافت فيه العالم على الحديث عن الإغاثة والدعم الإنساني لغزة، يتحوّل هذا "الدعم" ذاته إلى فخ قاتل. فخ منصوب بعناية أمام أعين كاميرات العالم، وعلى مسمع المؤسسات الأممية، وعلى مرأى من النظام الدولي الذي يراقب بصمت سقوط الفلسطينيين موتى عند أبواب مراكز توزيع المساعدات.

فمنذ أواخر مايو 2025، تحولت مواقع توزيع المواد الغذائية خصوصًا الطحين والمياه إلى ساحات موت علني، حيث استُهدف المدنيون العزل وهم في طوابير الانتظار، بحثًا عن بقايا حياة في قطاع يعاني من حصار وتجويع ممنهجين منذ ما يزيد على اثنين وعشرين شهرا .

 

تُظهر التقارير الميدانية أن أكثر من 1,050 فلسطينيًا، بينهم نساء وأطفال ومسنون، قُتلوا حتى أواخر يوليو أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية عبر مراكز توزيع تديرها مؤسسات إنسانية بينها ما يُعرف بـ"مبادرة غزة الإنسانية" (GHF)، بينما تجاوز عدد المصابين 2,000 جريح، وفق ما وثقته منظمات حقوقية وصحية، بينها الهلال الأحمر و"أطباء بلا حدود" وتقارير صحفية دولية متعددة.

وفي يوم واحد فقط، 20 يوليو، قُتل 94 شخصًا وأُصيب عشرات، بعد أن فتحت القوات الإسرائيلية النار على حشود تجمعت لاستقبال قافلة إغاثية عند مدخل منطقة زيكيم شمال القطاع. لم يكن في المشهد سلاح أو مواجهات أو حتى صراخ... كان هناك فقط بشر جائعون، اصطفّوا في الحرّ، وجثثهم انهارت قبل أن تصل إلى المساعدات .

المفارقة الصادمة أن هذه القوافل، التي يُفترض أنها إنسانية، أصبحت وسيلة لاستدراج المحتاجين إلى نقاط مكشوفة، يتم فيها التعامل معهم كمشتبهين أو حشود غير منضبطة. 

مراكز الإغاثة التي يجب أن تكون آمنة ومحميّة وفق القانون الدولي، تحوّلت إلى أهداف مرصودة بالقنص، أو قنابل الغاز، أو حتى جرافات تتدخل لتفريق الناس تحت وقع الحديد، كما حدث مرارًا في مناطق الشاطئ، وخان يونس، وجباليا.

وفي ظل تدمير أكثر من 80 % من المنشآت الصحية في القطاع، فإن عشرات الجرحى يُتركون دون علاج، أو يُسعفون بوسائل بدائية لا تليق بكرامة إنسان، فضلاً عن المعاناة النفسية لذوي الجرحى .

منظمة الأمم المتحدة وصفت الوضع في غزة مؤخرًا بأنه "أسوأ سيناريو مجاعة على وجه الأرض"، مؤكدة أن أكثر من 90% من سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما أعلنت الوكالة الأوروبية للدفاع المدني أن "الموت لم يعد يأتي من القصف وحده، بل من الجوع والإذلال والإهمال الدولي المتعمد".

 أطفال يموتون على أبواب شاحنات الطحين، وشيوخ يسقطون خنقًا بسبب التدافع، ونساء يُركضن في الطرقات . 

من المسؤول؟

المجتمع الدولي، بمنظماته وأطرافه النافذة، مسؤول عن هذه المأساة، لا بصمته فقط، بل بتمريره النموذج القائم لتوزيع المساعدات في غزة، والذي يُدار بطريقة تفتقر لأبسط معايير الحماية والكرامة الإنسانية.

 كما أن الاحتلال الإسرائيلي يتحمل المسؤولية المباشرة، ليس فقط لأنه أطلق النار، بل لأنه يحاصر غزة ويمنع مرور القوافل الآمنة عبر معابر ثابتة وبإشراف أممي مستقل.

بل إن الإصرار على فرض معبر زيكيم كنقطة توزيع واحدة في ظل غياب الأمان والسيطرة الفلسطينية، هو سياسة تنطوي على نية مسبقة بتعريض المدنيين للخطر، سواء من خلال نيران الاحتلال أو ظروف الفوضى والتدافع التي تؤدي إلى سقوط ضحايا بالعشرات.

هذه ليست مجرّد أرقام صادمة، بل مؤشّرات على جريمة مستمرة: قتل الناس أثناء انتظارهم الطعام، وهو أبشع أشكال الإبادة البطيئة. إن ما يحدث في غزة اليوم يتجاوز فشل العمل الإنساني؛ إنه فضيحة سياسية وأخلاقية وإنسانية للعالم بأسره.

إن استمرار هذه المشاهد يُنذر بتطبيع القتل تحت شعار "الإغاثة"، وتحويل الضحية إلى مجرد رقم في تقارير لا تُقرأ، أو مقاطع لا تُبث. المطلوب ليس شاحنة جديدة، بل نظام كامل يضمن حرية العيش وكرامة الحياة، ويوقف سياسة "الخبز مقابل الدم".

 

المجتمع الدولي مطالب اليوم بتحمّل مسؤولياته كاملة في فرض ممرات إنسانية آمنة خاضعة لرقابة دولية ، و التحقيق في جرائم استهداف المدنيين على أبواب مراكز التوزيع.

 و محاسبة الجناة، أفرادًا وحكومات، أمام محاكم عادلة.

و ضرورة العمل على و قف فوري للعدوان والحصار، لا الاكتفاء بإدارة العدوان و استمرار معاناة الضحايا.

إن الوضع في غزة، شاهدًا على عجز البشرية عن حماية الإنسان، وهو في أقصى لحظات ضعفه.

 

د. عبد الرحيم جاموس

31 يوليو 2025 م

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا