العقل الجمعي: ردم الهوية أم بناء الوعي؟
العقل الجمعي: ردم الهوية أم بناء الوعي؟
بقلم عدنان صگر
26/8/2025
لم يكن ما حدث بعد عام 2003 عملية بناء لدولة، بل عملية جراحية بترت من خلالها أطراف الوعي لدى مجتمع بأكمله. لقد سلمت السلطة لطبقة سياسية لم تحمل في جعبتها سوى جوازات الهوية الفرعية، التي استبدلت الهوية الوطنية الجامعة بأخرى طائفية وعرقية. هذه الطبقة، التي وصلت على أنقاض الماضي، لم تكن سوى أداة طي لصفحات التاريخ المشترك، وفتحت بدلاً منها سجلات الكراهية والانقسام.
إن هذه "الطبقة السياسية" التي تدير البلاد اليوم هي نتاج هندسة الفوضى، التي حوّلت الفراغ السياسي إلى ساحة لـ "توزيع الغنائم". لقد استغلت غياب القوى الوطنية الحقيقية، لتغرس نظاماً قائماً على شريعة التبعية، حيث يكون الولاء مقدماً على الكفاءة، والطاعة أهم من الإصلاح. ولقد وجدت في خطاب "القداسة" والمبالغة في التديّن وسيلة مثالية لتطويع العقول، وتحويل الشعب إلى قطيع مقدس لا يجرؤ على المساءلة أو التساؤل.
هذه الحكومات، التي يمكن وصفها بأنها كيانان في جسد واحد، تظهر للعالم الخارجي وجهًا حضاريًا، بينما تدير البلاد بعقلية القرون الوسطى. هي قناع التقوى الذي يخفي وراءه أنياب الفساد. فالجهل أصبح سلعة رائجة، ليس بالصدفة، بل هو استراتيجية ممنهجة لضمان بقاء النظام. كلما ازداد الجهل، ازداد الخضوع. فالمواطن يتم تلقينه "مناهج الطاعة"، بدلاً من "حقوق المواطنة".
إن الجرح العميق الذي تعاني منه الأمة اليوم هو جرح الهوية المسروقة. لقد تم تفكيك الإنسان من الداخل، وتحويله إلى فرد بلا ذاكرة، بلا رموز وطنية، وبلا عمق حضاري. هذا التفكيك المتعمد هو ما يسهل السيطرة على العقول، وتوجيهها نحو مصالح خارجية لا علاقة لها بالوطن.
الخلاصة هي أن الحل لا يكمن في تبديل أصنام المرحلة بأصنام أخرى. بل هو ضرورة تحطيم كل الأصنام، واستعادة أبجدية الوعي المفقودة. فالوطن الذي لا يحميه أبناؤه بفكرهم قبل سواعدهم، لن يكون إلا مساحة واسعة للضياع والخذلان.
التعليقات الأخيرة