((صدمة العمر))الفصل الأول
بقلم نشوة أبوالوفا "صدمة العمر"
((صدمة العمر))الفصل الأول
تنهدت مطلقة زفرة حارة في صبيحة يوم شتوي كانت شمسه تستحي مخفية شعاعها بتلك السحب الرمادية، جو بعث في نفسها كآبة دفعتها دفعًا لتذكر ماضٍ تحاول نسيانه بكل الطرق لكن ذلك الماضي ما يلبث أن يطرق كل أبوابها، متفجرًا في غياهب ذكرياتها كحمم بركان ذائبة تشق طريقها بلا هوادة.
ذكريات عاشتها هي بكل تفاصيلها، وأحداث قد سردت على مسامعها، في لحظات صفاء أو بوح بما تكنه القلوب المتعبة.
إنها ريفال واصف، ابنة رجل الأعمال المصري واصف السوهاجي ذو الأصول الصعيدية، الذي أمضى معظم حياته في لبنان متزوجًا هناك بميرا نادر ومنجبًا ثلاثة فتيات ريفال ورفيف ورنا، ريفال هي أكبرهم.
أمضى واصف معظم حياته بلبنان فهو مقيم هناك منذ بلوغه الثانية والعشرين من عمره وها هو قد بلغ الخامسة والأربعين، وفجأة يصدم عائلته بوجوب عودته لوطنه مصر.
سألت ميرا:
- غريب أمرك واصف، لم الآن؟ أبعد كل هذا العمر؟
- ها قد قلتها ميرا، كل هذا العمر، أما يكفيني بعدًا وهجرة.
واقترب منها محيطًا إياها بذراعيه بينما هي توليه ظهرها ناظرة للجبل:
- لقد اكتفيت بعدًا، أريد العودة لأدفن في وطني وبين أهلي.
التفت له:
- أي وطن وأي أهل، طوال الأعوام الماضية لم أسمعك تذكر ذاك الوطن أو تصل من تسميهم الآن أهل، أنا لا أفهمك واصف.
قال مبتسمًا:
- اعتبريه سوقًا جديدًا لنشاط شركاتنا التجاري، الجو الاستثماري الآن في القاهرة مناسب جدًا، وسيكون سوقًا كبيرًا، سنصفي أعمالنا هنا كاملة ونغادر.
اقتربت ميرا منه:
- واصف اصدقني القول، هل هناك مشكلة ما هنا وأنت تفر منها.
قهقه ضاحكًا:
- أي مشكلة ميرا عزيزتي، أخبرك أنني سأفتتح شركة وتجارة فأي مشكلة ستكون لدي؟
رفعت ميرا حاجبها:
- لا أقصد مشاكل مالية واصف، ربما عدت إلى صبيانيتك
وفعلت فعلة تستوجب الهروب.
اقترب منها مقتنصًا قبلة من وجنتها:
- أنا لم أعد أرى غير عينيك الجميلتين ميرا.
نظرت له نظرة شك:
- ومتى ستكون تلك المغادرة؟
- في وقت قريب وردتي.
.... ما هو الذي سيحدث في وقت قريب؟ كان هذا سؤال ريفال
أهلًا صغيرتي قالها واصف باسمًا
تأففت ريفال:
- أخبرتك أنني لا أحب هذا التدليل، لم أعد صغيرة، أنا الآن سيدة أعمال ناجحة يشار لي بالبنان، لا يصح أن تدللني بصغيرتي.
ابتسم قائلًا:
- حسنًا سيدة الأعمال، ما سيكون قريبًا هو عودتنا للقاهرة.
- أي قاهرة؟
- وهل هناك قاهرة غيرها بنيتي، إنها موطني.
تهكمت ريفال:
- وأين كنت من موطنك هذا منذ زمن سحيق؟ أم أنه ظهر فجأة في خريطة حياتك.
نهرها واصف:
- تأدبي ريفال، لم أربك لتخاطبيني هكذا يا سيدة الأعمال.
تبرمت قائلة:
- آسفة والدي، لكن حقًا ما الذي يدفعك لهذه المغادرة؟
- يدفعنا ريفال، يدفعنا.
- ماذا تقصد؟ أليست زيارة عابرة؟
اقتربت منها ميرا واضعة يدها على كتفها:
- ليست زيارة عابرة ريفي، سينقل والدك نشاط الشركة للقاهرة!
صاحت ريفال مستنكرة:
- ما هذا؟ وكيف أكون آخر من يعلم؟ ألستُ عضوًا بمجلس إدارة الشركة التي تنوي نقل نشاطها؟
- يا ريفي ها أنا ذا اخبرك، واليوم بدأنا الإجراءات أنا وسادن.
ضيقت عينيها:
- إذن سادن يعلم، ولم يخبرني، لقد كنت معه للتو في الاجتماع.
- لقد طلبت منه ألا يخبرك وأنني سأتكفل بذلك.
رفعت حاجبها:
- لا زلت غير مستسيغة لهذه الفكرة وأنا غير موافقة عليها.
لتفاجأ بمن يحيطها بذراعيه ويقول:
-علام لا توافقين ريفي. كانت هذه رنا
هزت ريفال رأسها وهي تنظر لرفيف توأم رنا
- والدكما العزيز يريد أن ينقل نشاط الشركة وينقلنا معها إلى القاهرة.
لتصرخ رنا وتهرع لوالدها لتقبله:
- إنها فكرة رائعة، منذ زمن وأنا أخبركم أني أريد الذهاب هناك، لكن مشاغلكم تمنعنا.
نظرت لها ريفال مغتاظة:
- استوعبي رنا وأنتِ الأخرى رفيف، أقول لكما سننتقل، أي أن إقامتنا ستصير هناك.
هزت رفيف كتفيها بلا مبالاة:
- وما المشكلة، فلنغير قليلًا، وبإمكاننا زيارة الجبل هنا في أي وقت، ثم أن القاهرة مدينة ساحرة خلابة.
غادرتهم ريفال محتقنة فلم تعد تستطيع التحمل
لتصطدم بسادن فقالت بحنق:
- ها قد أتيت، هل تساند والدي في فكرته؟
نظر لها سادن مبتسمًا:
- ليست مجرد فكرة ريفي، بل تم وضعها قيد التنفيذ.
صرخت ريفال:
- أنتما ستدفعانني دفعًا للجنون.
وغادرتهم صاعدة لغرفتها بالطابق العلوي.
نظرت ميرا معاتبة لواصف وسادن:
- كان يجب أن تشركاها معكما في التفكير واتخاذ القرار، إنها عضو أساسي في الشركة، ثم أنكما تدركان جيدًا طبيعة القاهرة بالنسبة لها ولم تحمله من ذكريات وحنين.
قال واصف بجدية:
- آن لها أن تنسى وتتابع حياتها.
أما سادن فقد استدار ليقول واصف:
- إلى أين؟ بالطبع ستصعد لها.
- طبعًا أنت تعرف أن ريفي صغيرتي أنا أيضًا، ولن أدعها غاضبة هكذا.
اقترب منه واصف:
- حسنًا اشرب قهوتك أولًا، ريثما تكون فورة غضبها قد هدأت قليلًا.
ثم وضع يده على كتف سادن قائلًا:
- لربما قذفتك بشيء ما ونحن لا نستطيع الاستغناء عنك.
وانفجر ضاحكًا
بينما ريفال في غرفتها وقفت للحظة أمام شرفتها تنظر للبحر والجبل تناجيهما
أيها الهادر الغاضب يا من سلبت الحبيب
أحمل لك الكره كله حتى بت أشمئز من لونك الأزرق
وأمسكت تلك القلادة التي تتدلى على صدرها لتفتحها وترى صورة دالي حبيبها، لتترقرق الدموع بمقلتيها، وهي تستشعر لمسة دالي لها حين قلدها تلك الهدية، مطالبًا إياها ألا تخلعها، لم تستطع أن تستمر في التظاهر بالصلابة، انهارت باكية على الأرض وهي تمسك بالقلادة وأخذت تبكي وهي تحدث نفسها
(لم حدث هذا؟ ألم يكتب لي الفرح؟ ألن أذوق السعادة؟ أما يكفيهم أني فقدت حبيبي دالي قبل زفافنا بيوم واحد (وأطلقت آهة مكتومة) يوم واحد يا الله كنت سأكون بين أحضانه للأبد، كنت سأحمل اسمه، وها قد فقدته، ولا يريدون الترفق بي، بل يريدون أخذي لمسقط رأس حبيبي، ما بهم؟ أيظنون أني نسيته؟ تبًا للجميع، دالي يسكن القلب والروح ولن يفارقهما)
#نشوة_أبوالوفا
#nashwa_aboalwafa
التعليقات الأخيرة