انتشار الانحراف وغياب الأخلاق مسؤولية أسرة ومجتمع
انتشار الانحراف وغياب الأخلاق مسؤولية أسرة ومجتمع
بقلم /محمود عبده الشريف
لم يعد مشهد العنف والانحراف في الشوارع أو داخل المدارس والجامعات أو حتى في ساحات العمل غريبًا على مجتمعنا، بل أصبح أمرًا مقلقًا يتزايد يومًا بعد يوم، ليعكس خللاً واضحًا في منظومة القيم والأخلاق التي كانت يومًا ما ركيزة أساسية للحياة في مجتمعنا. إن ما نراه اليوم من سلوكيات منحرفة، واعتداءات لفظية وجسدية، وتجاوزات على القانون والنظام، ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من غياب التربية الصحيحة وخلل في دور الأسرة والمجتمع معًا.
ومضة أمل
ومن لهفتنا إلى عودة الأخلاق الحميدة، يضيء أمامنا مشهد بسيط لكنه عظيم الدلالة؛ طفلة صغيرة لم تملك سوى خمسة جنيهات اشترت بها كيس "شيبسي"، وبينما كانت على وشك أن تدفع ثمنه، رأت رجلاً بسيطًا محتاجًا، فما كان منها إلا أن أعادت الكيس وأعطته النقود دون تردد. مشهد عفوي، لكنه يعكس قيمة إنسانية نفتقدها كثيرًا اليوم، ويؤكد أن الخير ما زال حيًّا في النفوس، وأن زرع القيم في قلوب الصغار قادر على إصلاح ما أفسده غياب القدوة والإهمال.
دور الأسرة
الأسرة هي الحصن الأول الذي يتلقى فيه الطفل دروس الحياة الأولى، ومنها يتعلم معاني الاحترام، الرحمة، الانضباط، وحب الآخرين. فإذا قصرت الأسرة في دورها التربوي، أو انشغلت فقط بتأمين الماديات دون غرس القيم، فإنها تترك فراغًا أخلاقيًا يستغله الشارع ليزرع في نفوس الأبناء العنف والفوضى. إن غياب القدوة داخل البيت، والتفكك الأسري، وإهمال الحوار مع الأبناء، كلها عوامل تفتح الباب أمام انحراف السلوك وغياب الضمير.
دور المجتمع
المجتمع أيضًا شريك في صناعة الظاهرة أو في مواجهتها. عندما يغيب القانون الرادع، ويُترك المجال للفوضى، تنتشر الانحرافات كالنار في الهشيم. كذلك فإن المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية لها دور كبير في تشكيل وعي النشء؛ فبدلًا من أن تكون مصدر إلهام وتنوير، نجد أحيانًا أنها تسهم في نشر مشاهد العنف والسطحية من خلال أعمال فنية أو محتوى لا يليق. كما أن غياب المبادرات المجتمعية لتعزيز الأخلاق والهوية الإيجابية يجعل شبابنا فريسة سهلة للأفكار والسلوكيات المنحرفة.
مسؤولية مشتركة
إن معالجة هذه الظاهرة مسؤولية جماعية؛ تبدأ من الأسرة التي يجب أن تربي قبل أن تعلّم، ومن المدرسة التي يجب أن تغرس القيم قبل أن تلقن المناهج، ومن الإعلام الذي يجب أن ينشر القدوة الحسنة قبل البحث عن نسب المشاهدة. ولا بد من تطبيق القانون بحزم، لأن التساهل مع الخارجين عن النظام يعطي رسالة سلبية بأن الفوضى مسموح بها.
كلمة أخيرة
الانحراف ليس مجرد سلوك فردي عابر، بل هو مؤشر خطير على تراجع منظومة القيم في المجتمع. وإذا أردنا أن نحافظ على أجيالنا القادمة من الانزلاق نحو العنف وغياب الأخلاق، فعلينا أن نتكاتف جميعًا: أسرة، مدرسة، مجتمع، وإعلام، لنستعيد القيم التي تربينا عليها، ونغرسها من جديد في نفوس أبنائنا.
التعليقات الأخيرة