• مصر
  • الثلاثاء، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 07:53:08 AM
news-details
مقالات

المحاصصة ليست صراعاً على السلطة بل تقاسماً للمغانم

المحاصصة ليست صراعاً على السلطة بل تقاسماً للمغانم


بقلم/ عدنان صگر الخليفه 

في خضم المشهد السياسي العراقي، تتعدد الأصوات التي تدعي سعيها للتغيير، من أبرزها طرح الدكتور ليث شبر رؤية نقدية لأزمة القيادة والمعارضة، معتبراً أن القيادة أضحت حكراً على مكون، والمعارضة قدراً لمكون آخر. لكن، هل يكتمل فهمنا للأزمة بالنظر إلى الأدوار المعلنة، أم أن المشكلة أعمق من ذلك؟
إن لعبة السياسة في العراق ليست صراعاً على السلطة، بل هي تقاسم للنفوذ ضمن نظام محكم يدعى "المحاصصة". نظام لا ينتج قادة وطنيين، بل يوزع المناصب والثروات على الأفراد والفصائل. ومن هنا، يصبح "التغيير" مجرد شعار، بينما تبقى القواعد التي تحكم اللعبة ثابتة.
إن الخطاب الذي يتبنى فكرة "المظلومية" يغفل حقائق جوهرية على أرض الواقع. فالقيادات السنية، وإن بدت في إطار المعارضة، هي في الحقيقة أصحاب نفوذ قوي في محافظاتها، وسلطتها هناك ليست محل نقاش أو اعتراض، بل هي سلطة راسخة تُمارس من خلال نخب عشائرية وسياسية تضمن الولاء وتتحكم في القرار المحلي. إن الحديث عن غياب "الحماية" للمكون السني يتجاهل وجود ألوية سنية ضمن الحشد الشعبي، ومواقع قيادية لهم داخل المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية. هذا الخطاب ليس تشخيصاً للواقع، بل أداة سياسية تهدف إلى استمالة الناخبين الساخطين وتبرير الدخول في تحالفات جديدة ضمن المنظومة ذاتها.
أكبر دليل على أن النظام يستهلك أعداءه هو وجود ما يسمى "المعارضة" داخل البرلمان والحكومة. هذه المعارضة، التي تملأ شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي بالبكاء على حال البلد، تتواطأ صامتة عندما يتعلق الأمر بالقوانين التي تضمن استمرار نفوذ الطبقة الحاكمة. لقد رأينا كيف مررت قائمة السفراء التي سميت "قائمة العوائل"، وكيف تم السكوت على اتفاقيات مصيرية مثل "خور عبد الله"، وكيف تم تمرير قوانين تزيد من امتيازات البرلمانيين والمسؤولين. هذه الأحداث ليست حوادث فردية، بل هي دليل قاطع على أن المعارضة في العراق هي مجرد قناع يغطي على توافق المصالح. شعارات التغيير هي أداة لاستقطاب الجمهور، بينما الفعل الحقيقي يصب في خدمة المنظومة القائمة.
إن الدكتور ليث شبر، كغيره من قوى "التغيير" التي دخلت الانتخابات، يواجه معضلة حقيقية: هل يمكن تغيير نظام من الداخل دون أن تصبح جزءاً منه؟ الواقع يقول إن النظام يمتلك قدرة هائلة على دمج أي صوت معارض ليصبح صوتاً آخر في جوقة المحاصصة. فالمشكلة ليست في القيادة أو المعارضة كأشخاص، بل في النظام نفسه الذي يحول الطموحات الوطنية إلى صراعات على النفوذ. إن التغيير الحقيقي لن يأتي من خلال المشاركة في انتخابات قائمة على أساس المحاصصة، بل من خارج هذا النظام، من خلال بناء حركة جماهيرية ترفض قواعد اللعبة بأكملها. فالقضية ليست من يقود أو يعارض، بل هل نقبل أن نستمر في لعبة النفوذ الشخصي، أم نطالب أخيراً ببناء دولة تُدار بالوطنية والكفاءة؟

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا