• مصر
  • الثلاثاء، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 11:03:06 AM
news-details
تقارير وتحقيقات

بحث متكامل: العراق كمرآة لصراع النفوذ الإقليمي 3/ايلول/2025

بحث متكامل: العراق كمرآة لصراع النفوذ الإقليمي
3/ايلول/2025


إعداد/ الكاتب والباحث/ عدنان صگر الخليفه 

مقدمة
يُشكل العراق منذ عام 2003 مسرحاً معقداً للتفاعلات السياسية والأمنية، التي يرى كثيرون أنها نتاج صراع داخلي على السلطة. لكن هذا البحث ينطلق من فرضية أساسية مغايرة: أن مستقبل العراق السياسي، وما يشهده من تحولات، ليس سوى انعكاس مباشر للواقع المفروض من قبل القوى الإقليمية والدولية الرئيسية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل. هذا التحليل يتحدى التصور الشائع بأن إيران قوة ضعيفة، بل يرى أن امتلاكها للأدوات الاستراتيجية التي سيوضحها هذا البحث هو دليل على قوتها الحقيقية.

الفصل الأول: طبيعة الصراع وسبب غياب الحرب الشاملة
خلافاً للتحليلات التي تتنبأ بحرب عسكرية شاملة، فإن احتمالية نشوب مثل هذا الصراع منخفضة للغاية. هذا الواقع لا يعكس ضعف أي طرف، بل هو نتاج لعدة عوامل جيوسياسية واستراتيجية. لقد أثبتت أحداث مثل "حرب الأيام الاثني عشر" أن المواجهة المباشرة قد تكون مكلفة وغير حاسمة. ونتيجة لذلك، تحول الصراع إلى "حرب ظل" أو "حرب استنزاف" غير مباشرة، حيث تُستخدم فيها أدوات السياسة والاقتصاد والضغط بدلاً من القوة العسكرية المباشرة.
إن هذا التجنب للحرب الشاملة يعود إلى نقاط ضعف الجبهة الغربية، إذ إن انشغال أوروبا بالتبعات الاقتصادية والأمنية للحرب في أوكرانيا يجعلها غير قادرة على تقديم دعم كامل للولايات المتحدة في أي صراع مباشر، وهذا يمثل حافزاً لواشنطن لتجنب المواجهة. علاوة على ذلك، فإن أي حرب أمريكية مباشرة ضد إيران ستفتح المجال أمام قوى عالمية أخرى، مثل روسيا والصين، لتقديم دعم لوجستي أو غير مباشر لطهران، مما يزيد من تعقيد المشهد ويُهدد الهيمنة الأمريكية. كما تقوم الولايات المتحدة بممارسة الابتزاز السياسي على الدول الأوروبية لحثها على تفعيل آليات مثل "آلية الزناد" لفرض عقوبات على إيران، مما يؤكد أن "الحرب" في جوهرها هي سياسية وليست عسكرية، وأنها تهدف إلى استنزاف الخصم دون إطلاق رصاصة واحدة.

الفصل الثاني: سيناريو الحرب المحدودة والمسؤولية عن النظام العراقي
بناءً على ما سبق، فإن أي حرب مستقبلية لن تكون شاملة، بل ستكون أحادية الجانب ومحدودة الأهداف، وتدور بشكل أساسي بين إسرائيل وإيران. وفي خضم هذا الصراع، يظهر العراق كساحة معركة رئيسية، حيث لا يمكن فصل نظامه السياسي عن الصراع الإقليمي. إن مسؤولية الوضع السياسي في العراق تعود بشكل أساسي إلى الولايات المتحدة وحلفائها الذين أسسوا النظام الحالي بعد عام 2003. إن تحكم واشنطن الكامل في الأموال العراقية والقرار السياسي يمنحها القدرة الحصرية على تغيير النظام أو الحفاظ عليه. 

الفصل الثالث: المؤشر الحقيقي: الواقع السياسي العراقي
إن عدم حدوث تغيير جذري في العراق لا يعود إلى اتفاق سري بين القوى الكبرى، بل إلى توازن القوى وتكلفة التغيير الباهظة على جميع الأطراف. هذا التوازن يجعل كل طرف عاجزاً عن حسم الصراع لصالحه، مما يُبقي الوضع على ما هو عليه. وهنا، تتضح الفرضية الأساسية للبحث: إن النتائج النهائية للحوارات والمفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل ستكون واضحة للعيان من خلال الواقع السياسي في العراق. إذا تغيرت السياسة العراقية باتجاه يلغي النفوذ الإيراني، فهذا دليل على أن استراتيجية الولايات المتحدة وإسرائيل قد نجحت في هذه المحادثات، وأنهما المنتصرتان. أما إذا بقي النفوذ الإيراني على ما هو عليه، فهذا دليل على أن إيران قد حالفها الحظ وانتصرت في حوارها، وحافظت على مكتسباتها في المنطقة.
إن هذه الظروف قد توجد "فسحة أمل" حقيقية للعراقيين، يتجسد فيها حراك سياسي قوي على الساحة العراقية. هذا الحراك يضم أقطاباً مختلفة، بعضها يميل إلى محاور الصراع الخارجية ويسعى لخدمة أجندتها، وبعضها يمثل قطباً وطنياً مستقلاً يعمل على استغلال هذه الفسحة لإثبات وجوده وفرض إرادته. إن هذه التحركات تهدف إلى إيجاد متغير يتلاءم مع تطلعات الشعب، وإجبار الأطراف المتصارعة على الرضوخ لبعض مطالبهم، مما يمنحه فرصة للعمل على المدى الطويل.

خاتمة
إن مستقبل العراق ليس رهيناً بإرادة شعبية مستقلة، بل هو نتاج مباشر للواقع المفروض من القوى الكبرى. هذا البحث يخلص إلى أن أي تغيير في الداخل العراقي هو دليل على انتصار أو هزيمة أحد المحاور في صراع النفوذ، مما يجعل من السياسة العراقية مرآة صادقة لما يدور خلف الكواليس في العالم.

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا