• مصر
  • الاثنين، ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 02:04:03 AM
news-details
مقالات

بين خطاب القمم وواقع المصالح: قراءة في أزمة السيادة العربية 16/ايلول/2025

بين خطاب القمم وواقع المصالح: قراءة في أزمة السيادة العربية
16/ايلول/2025


بقلم/ عدنان صگر الخليفه 

في خضم الأزمات المتصاعدة التي تعصف بالمنطقة العربية، لم تعد القمم والاجتماعات الطارئة مجرد أحداث دبلوماسية، بل أصبحت محاور للتساؤل حول جدواها ومصداقيتها. فبيانات الشجب والاستنكار التي تصدر عنها، والتي تتكرر بعد كل تصعيد إسرائيلي، باتت تُشكل إشارة فارغة لا تُرضي تطلعات الشعوب ولا تُغيّر من واقع الصراع شيئًا. إن التمعن في هذا التناقض يكشف عن أزمة أعمق: أزمة سيادة عربية مُهانة ومصالح خاصة تتقدم على مصالح الأمة. إن حقيقة ما تُقدمه القمم العربية من بيانات تظهر بوضوح في ضوء الأحداث المتلاحقة، فبينما تُصدر بيانات إدانة قوية، يُواجه واقع الدول التي تُصدرها انتهاكات صارخة. إنها المفارقة التي تُحرج الوعي العربي: كيف لدول تُشجب انتهاك سيادة دولة أخرى أن تفعل ذلك وهي عاجزة عن حماية سيادتها الخاصة؟
إن الشواهد على ذلك لا تُعد ولا تُحصى. في سوريا والعراق، تُنفذ إسرائيل غارات جوية بشكل متكرر، وفي اليمن، تتواصل الضربات الجوية في ظل صراع معقد. أما في لبنان، فالأمر يتجاوز القصف العابر ليصل إلى التدخل المباشر وفرض الإرادة على الأرض، مما يجعل أي حديث عن السيادة في هذه الدول مجرد شعار أجوف. هذا الضعف ليس مجرد عجز، بل هو قرار واعٍ بالامتناع عن الفعل. فالعديد من الدول العربية مُقيدة بمعاهدات سلام مع إسرائيل، تمنعها من اتخاذ أي إجراء عسكري أو حتى سياسي يُمكن أن يُهدد تلك المعاهدات. هنا، يصبح "الشجب" هو الحد الأقصى المتاح، فهو يُرضي الرأي العام بشكل رمزي دون أن يُعرّض المصالح الاقتصادية والعلاقات الاستراتيجية للخطر. إن هذه الدول، كما أظهرت الوقائع، تُفضل الحفاظ على علاقاتها الدولية التي تُوفر لها الدعم السياسي والاقتصادي، حتى لو كان ذلك على حساب قضاياها ومصداقيتها. فالمصلحة العليا التي تُحكم قرارات القادة ليست مصلحة الأمة، بل هي مصلحة بقاء الأنظمة على عروشها.
ولتثبيت هذا الواقع، يأتي دور الإعلام. إنه لا يكتفي بنقل الأحداث، بل يعمل على صناعة حقائق مزيفة تُبرر الخنوع وتُغلفه بعبارات العزة والنصر. يُظهر الإعلام قادة الدول على أنهم "المحررون" و"أصحاب القرار"، في حين أن الواقع يُبين أنهم مُقيدون بالكامل. هذا التضليل الإعلامي هو جزء لا يتجزأ من عملية "التنويم المغناطيسي" التي تهدف إلى إبقاء الشعوب في حالة من عدم الوعي، خوفًا من ثورة محتملة قد تُزلزل عروش القادة وتُهدد مصالحهم المشتركة مع القوى الدولية. وفي الختام، إن القمم العربية لم تعد مكانًا لصناعة القرار، بل منصة لإدارة الأزمات عبر الخطاب بدلاً من الفعل. إنها منظومة تُقدم المصالح على المبادئ، بينما تبقى الشعوب هي الطرف الأخير في المعادلة، تُطالب بالتغيير في عالم لا يرى لها سوى دور المتفرج.

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا