حماية الأمن المعلوماتي للدولة المصرية تصور مقترح لإعادة بناء السياسة الجنائية الرقمية
حماية الأمن المعلوماتي للدولة المصرية تصور مقترح لإعادة بناء السياسة الجنائية الرقمية
بقلم الدكتور :احمد صفوت السنباطي بمحكمة النقض
في عصر لم تعد فيه الحدود تحمي بالجيوش وحدها، بل أصبحت الفضاءات الإلكترونية ساحة معركة غير مرئية تخوضها الدولة المصرية ضد أعداء لا يعرفون الجغرافيا، يختبئون خلف شاشات في قارات بعيدة، يسرقون بيانات حساسة، يعطلون بنية تحتية حيوية، يبثون الشائعات لزعزعة الاستقرار، ويهددون الأمن القومي في صميمه.
هنا يبرز دور القانون الجنائي ليس كأداة عقابية تقليدية، بل كخط دفاع أول، كجدار ناري قانوني يجب أن يُعاد تشكيله لمواجهة هذه التهديدات الوجودية غير المسبوقة الوظيفة الوقائية للقانون الجنائي في حماية الأمن المعلوماتي لم تعد ترفاً، بل هي ضرورة قصوى تفرضها طبيعة الحرب السيبرانية الحديثة، التي تسير بسرعة الضوء بينما تسير التشريعات بسرعة البشر
التحدي الحقيقي الذي يواجه السياسة الجنائية المصرية الحالية هو رد الفعل، حيث تتعقب الجريمة بعد وقوعها، بينما العصر الرقمي يتطلب وقائية استباقية ذكية التصور المقترح لإعادة البناء يجب أن يرتكز على عدة ركائز أساسية،
أولها التحول من التجريم الضيق إلى التجريم الشامل ، فبدلاً من انتظار شكل جديد من الهجمات الإلكترونية لتجريمه، يجب صياغة نصوص قانونية مرنة وواسعة تستطيع استيعاب التقنيات المستقبلية التي لم تُخترع بعد، وتجريم كل فعل يمس بأمن وسلامة الفضاء المعلوماتي للدولة، حتى لو لم يكن منصوصاً عليه بشكل محدد، مع وضع ضوابط قانونية صارمة تحول دون التعسف في التفسير
الركيزة الثانية هي تعزيز التعاون الإلزامي مع القطاع الخاص، فشركات التكنولوجيا والاتصالات والمنصات الرقمية أصبحت حراس البوابة الإلكترونية للدولة، يجب أن يلزمها القانون بالإبلاغ الفوري عن أي هجمات أو ثغرات، والمشاركة في تبادل المعلومات التي تساعد في منع الجريمة قبل وقوعها، وليس بعد فوات الأوان
الركيزة الثالثة، وهي الأخطر، هي بناء نظام للاستخبارات الوقائية القانونية، حيث يسمح القانون لأجهزة الدولة المختصة، تحت رقابة قضائية مشددة، بمراقبة التهديدات السيبرانية المحتملة، وتحليل أنماط الحركة الإلكترونية المشبوهة التي قد تشير إلى هجوم قادم، ليس بهدف التجسس على المواطنين، بل بهدف حماية المنظومة المعلوماتية الوطنية من أي اختراق قد يكلف مليارات الجنيهات أو يعطل حياة الملايين و هذا يتطلب إعادة تعريف مفاهيم مثل "الخصوصية" و"المراقبة" في السياق الرقمي، والموازنةً بين حق الفرد في الخصوصية وحق المجتمع ككل في الأمن.
الخلاصة هي أن الأمن المعلوماتي لمصر لم يعد مسألة تقنية بحتة، بل هي معركة قانونية وتشريعية في المقام الأول إعادة بناء السياسة الجنائية الرقمية تتطلب شجاعة لسن تشريعات طليعية تكون درعاً واقياً يستشرف المستقبل أن يكون رد فعل للماضي يجب أن يتحول القانون الجنائي من حارس للواقع المادي إلى حارس للفضاء السيبراني، من متفرج على الحرب الإلكترونية إلى مشارك فعال فيها، لأن حماية البيانات الوطنية وسلامة البنية التحتية الرقمية لمصر هي مسألة أمن قومي، والحرب القادمة، التي بدأت بالفعل، سيفوز فيها من يملك أقوى الأدلة القانونية وأذكى الأدوات الوقائية
التعليقات الأخيرة