العراق: الانتخابات كآلية لتقاسم النفوذ.. نهاية البحث عن القائد
العراق: الانتخابات كآلية لتقاسم النفوذ.. نهاية البحث عن القائد
بقلم/ عدنان صگر الخليفه
تستمر عجلة الانتخابات في الدوران في العراق، تُصرف عليها المليارات الطائلة، ويُصِرّ المرشحون على رفع شعارات الإصلاح والتغيير، في الوقت الذي أثبتت فيه التجارب السياسية المتعاقبة منذ عام 2006 أن هذه العملية لم تعد تهدف إلى اختيار قائد وطني يمتلك إرادة الإصلاح، بل تحولت إلى آلية رسمية لإعادة توزيع النفوذ واستدامة سيطرة الأحزاب المتحكمة. إن الواقع السياسي الراسخ يؤكد أن منصب رئيس الوزراء يخضع لمنطق "مرشح التسوية"، وهي القاعدة الثابتة التي حكمت اختيار الحكومات المتعاقبة، بدءاً من نوري المالكي في ولايته الأولى عام 2006 كبديل اضطراري بعد فشل إبراهيم الجعفري، مروراً بحيدر العبادي عام 2014 الذي جاء تحت ضغط المرجعية الدينية والدول، وصولاً إلى عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي ومحمد شياع السوداني. هذه السلسلة الطويلة من حكومات التسوية تثبت أن الكتل المهيمنة تفضل دوماً المدير التوافقي الذي يكون مديناً للجميع، ولا يمتلك قاعدة سياسية قوية تمكنه من المساس بنفوذها؛ فالحالة الوحيدة التي حاولت فيها كتلة فرض مرشحها بالقوة كانت في الولاية الثانية للمالكي عام 2010، وهو ما كاد يودي بالعملية السياسية لشدة الخلاف عليه. هذا يوضح أن الكتل أدركت أن الهدف الأساسي من الانتخابات ليس الفوز برئاسات الدولة، التي أصبحت تحصيل حاصل لاتفاقات تسوية جماعية لا يمكن التلاعب بها فردياً، بل الهدف هو تأمين أكبر عدد من المقاعد البرلمانية؛ فالمقعد هو العملة التي تحدد حصة الحزب من الوزارات والدرجات الخاصة (مناصب الوكلاء والمدراء العامين). عبر التحكم بهذه المفاصل الإدارية والمالية، تضمن الأحزاب استدامة النفوذ وتُبقي رئيس الوزراء التوافقي محاصراً بفريق تنفيذي موالٍ لها، مما يضمن لها التحكم الفعلي بالقرار الحكومي. حتى الأحزاب التي رفعت شعارات المعارضة والتغيير انخرطت في هذا المعترك بعدما أيقنت أن البقاء خارج السلطة هو إفلاس سياسي كامل، وأن الحل الوحيد هو المشاركة في تقاسم "الكعكة" لضمان البقاء. وعليه، يجب على الناخب العراقي أن يتذكر دائماً أن المليارات الطائلة التي تُصرف على الانتخابات تذهب لحماية هذه المعادلة وضمان استمرار التحكم في مفاصل الدولة، وليس بالضرورة لتحقيق الإصلاح أو تقديم خدمة للمجتمع العراقي.
التعليقات الأخيرة