"المُستحيل"
بقلم نشوة أبوالوفا
قصة قصيرة
"المُستحيل"
ربما سمعتم عن الحب م
ن أول نظرة، لم أكن لأؤمن به قبل ذلك اليوم الذي رأيتها به.
آه يا قلبي، يالخيبتي وحسرتي، اليوم عرسها، اليوم ستكون لغيري، إنها حبي، متنفس عشقي، نبض قلبي، توأم الروح، وقيثارة مشاعري.
اليوم ستكون بين يدي غيري، اليوم سيلمسها سواي، اليوم ستذرف هي الدمع على حبنا المستحيل، وسأعيش أنا الباقي من عمري راهبًا عازفًا عن كل النساء، لن يسمح قلبي لسواها أن تقتحم حصونه، لن تسمح روحي لسواها أن تتسرب بين ثناياها.
تتساءلون كيف أتركها هكذا بعد كل ما أكنه لها من حب؟ كيف أتركها لرجل غيري يتنسم عبير قلبها؟ لا حيلة لدي ولا فرار من الفراق إن حبنا حب كتب عليه الوأد في مهده، حب لم تقدر له الحياة.
صدقوني لم أقصر، بذلت كل ما أستطيع لأنالها ولتكون لي، لكن حتى ذاك المستحيل الذي فعلته لم يقربني منها ولو بخطوة واحدة.
تريدون القصة من البداية، نعم البداية، بداية قلبي وبداية ميلادي! نعم ميلادي فأنا لم أكن أحيا قبلها لم أشعر أني على قيد الحياة إلا حين رأيتها، ذلك القلب الرابض بين جنبات صدري كان ينبض في الفراغ، لم تتكون الحياة بداخله إلا برؤيتها.
تعرفت عليها في الكنيسة في حفل زفاف صديقتها ماريا، إنها جميلتي وقبلة قلبي في الحياة مريم...
لن أقول أنها الأجمل فهي في عيني كل النساء ولم أعد أرى سواها منذ وقعت عيناي في غرام تلك اللوزتين الساكنتين في وجهها، وذلك الشعر البندقي المسترسل في غير تكلف، ذاك الفستان الذي عانق جسدها يريد أن يبث الغيرة في قلبي، تسمرت مكاني حين اصطدمت عيناي بعينيها وأنا أحول بينها وبين السقوط أرضًا حين تعثرت في ذيل فستانها الناري، فأضرمت النيران بقلبي فاستحال بركانًا يغلي يوشك على الانفجار، شددت من قبضة يدي عليها لكيلا تقع، شعرت بكل اضطراب في نبضات قلبها، قسمًا بالذي خلق السموات والأرض لقد تزلزل قلبها واضطرب كيانها كما حدث لي، لقد شعرت بذلك، نحنحة صدرت من ميشيل صديقي أخرجتني من التيه في ملامحها، اعتدلت وهي ما زالت بين ذراعي، ثم أبعدت ذراعي شاكرة لي ووجنتاها تشتعلان خجلًا، واستدارات مولية ظهرها لي، صدقوني لقد سمعت تنهيدتها وهي تزفر ذلك الاضطراب المشتعل بها، لم أكن لأتركها تبتعد عن عيناي في كل حركة كانت عيناي تحيطان بها، حين غادرت برفقة واحدة من صديقاتها، لحقت بها من بعيد، لم تكن تسكن بعيدًا عن الكنيسة، لحقت بها وحيدًا فقد كان ميشيل يريد الذهاب لمكان آخر بعد الحفل، رفضت الذهاب معه وتركته لألحق بساحرتي ومالكة نياط قلبي، دخلت للمنزل المقابل للمسجد، شاهدت نافذة تضاء، علمت أنها بالتأكيد غرفتها، تسكن محبوبتي بالدور الثالث.
غادرت وقد حفر شكل المنزل ومكانه في قلبي وليس عقلي.
كم هو غريب هذا الذي يسمى بالعشق، لم أكن أبدًا أتصور أن من بين بنات حواء من قد تزلزل كياني هكذا، آه يا مريم آه، لقد هدمتني وأعدت بنائي وكل لبنة من البناء تحمل اسمك مريم، يا لحلاوة الاسم والوصف والشخص، غريق أنا فهل ستنتشيليني؟
راقبت المنزل باليوم التالي منذ الصباح الباكر، ليخفق القلب الذي كان ميتًا وينبض صارخًا باسمها، ويهدئه ذلك المتربع في رأسي، سرت خلفها، لتشاهدني وهي تركب الميكروباص، وتتسع عيناها اندهاشًا، ركبت بنفس الميكروباص، وكانت عيناي تتربص بها كعيني أسد ينتظر الانقضاض على غزالته، لتنزل مريمي وأنا ورائها، دخلت للمشفى الخاص، ثم توجهت لغرفة خاصة بالأطباء، وبعد قليل خرجت ترتدي زيها الأبيض، وعليه بطاقة التعريف، مريم عبدالرحمن عبدالله،
حقًا لم أرى اسم عبدالرحمن، ولا عبدالله، أو بالأحرى رأيتهما ولم يلاحظهما عقلي، مرا مرور الكرام عليه، وتحت اسمها الساحر كُتب طبيبة أمراض قلب،
وماذا ستكون غير ذلك إنها متخصصة القلب التي صرعت قلبي.
اقتربت منها وبلا أي مقدمات أمسكت بقلبي وتأوهت ووقعت على الأرض، لتهرع هي نحوي وبلهفة سألتني: ما بك؟
بوهن مصطنع قلت: لا أدري هناك ألم بقلبي.
عاونتني الممرضة وأدخلوني لغرفة الكشف الطبي، وكشفت عن صدري، ثم اقتربت مريمي ووضعت السماعة الطبية على قلبي، الذي كان ينبض بتسارع وكأنما دخل سباق مارثوني، وقد أوشك عل اقتحام خط النهاية.
قالت: قلبك يدق بسرعة عالية.
همست لها: بسببك أنت، اقسم أني عاشق.
ابتعدت مجفلة مما قلت، وعيناها ترمشان بسرعة واضطراب، وتحاول السيطرة على اضطرابها: لا يصح يا ..
- مايكل، أنا مايكل.
رأيت الدمع وقد ترقرق بعينيها، وكسى الوجوم وجهها، وأخذت نفسًا عميقًا وقالت
وهي تشير للاسم على بطاقة التعريف
- مريم عبدالرحمن عبدالله.
دك الاسم مسامعي كقذيفة هاون، ووجمت صامتًا، ثم نهضت مغادرًا، وبينما أنهض شاهدت تلكما الدمعتان الهاربتان من مقلتيهما تحفران طريقهما على وجهها، تيقنت من أن ما وقع بقلبي قد وقع بقلبها.
عدت لمنزلي ولم أحادث أحدًا، سجنت نفسي بغرفتي، أفكر في حل لمعضلتي، ثم نزلت وسألت عنها وعن أهلها، هاتفت ميشيل ليأتي لي.
- ما بك مايكل لم أنت متجهم الوجه، مظلم الروح هكذا؟
- أنا أحب يا ميشيل.
- هنيئًا لك، من هي الجميلة التي حركت قلبك؟
- مريم.
- من مريم؟ لا أعرف حولنا أية فتاة باسم مريم.
- إنها تلك الفتاة التي كانت بعرس ماري.
- جيد، ستعيش الآن قصة حب.
- أريد الزواج.
نظر لي متعجبًا: بسرعة هكذا، انتظر قليلًا لنخطبها وتتعارفا.
- أنا عاشق يا ميشيل، ليست مجرد نزوة.
ابتسم: حسنا أيها العاشق فلنفاتح والدتك لتذهب وتحادث والدة الفتاة، لا أعتقد أنها سترفضك، أنت مهندس في مركز مرموق.
أدرت وجهي للخارج وقلت: أمي لن توافق.
- لماذا أليست الفتاة متعلمة مثلًا، أم أنها سيئة السيرة؟!
- الفتاة تعمل طبيبة قلب بمشفى خاص، وسألت عن أهلها، الكل شهد بطيب سيرتهم.
- إذن لماذا لن توافق الخالة تيريزا؟
- الفتاة اسمها مريم عبدالرحمن عبدالله.
حالة من الصمت سادت، ثم قال: ليست آخر فتاة بالكون، الكون مليء بالفتيات الجميلات المحترمات ممن يصلحون لنا ومن ديننا.
- لا أريد غيرها.
- أنت تعرف أن أمك لن توافق أبدًا، ناهيك عن أن أهل الفتاة أيضًا لن يوافقوا، هل أنت بعقلك؟ الفتاة مسلمة، ودينهم يمنع الزواج منا.
- لو أسلمت سيزول هذا المانع.
نظر لي غير مصدق لما تفوهت به ثم قال بهدوء: أعد ما قلت مايكل.
بثقة قلت: لا يوجد سوى هذا الحل، سأسلم وأتزوجها.
- لن أتهور عليك وأصفعك على وجهك لتفيق من خيالك، لكن وبكل هدوء أقول لك لو فعلتها لن تسلم لا أنت ولا هي إن اصبحت زوجتك، من الذي سيظل يحادثك من أهلك أم أنك ستتبرأ منا؟
- أنا لا أريد سواها.
- تبًا لك ولها، هل سحرتك تلك الفتاة؟ ما بك؟ أفق، إن خالك هو الأب في الكنيسة، أتريد إلحاق العار به؟ وأنت تعرف أنه من المتعصبين المتشددين، سيريق دمك.
- لا يهم أريد مريم.
- أنت مجنون، وسأعتبر أني لم أسمع منك شيئًا.
غادرني وفي الصباح توجهت للأزهر وأعلنت إسلامي وأطلقت على نفسي اسم يوسف عبدالحميد.
عدت للمنزل وبالمساء أثناء خروجي قابلني ميشيل قائلًا: هل تأكدت من شيوخهم أنك لا تستطيع الزواج بها.
- لقد أسلمت ميشيل وأصبح اسمي يوسف.
نظر لي في ذهول غير مصدق.
- لقد جننت يا مايكل ولن يمر هذا الأمر مرور الكرام، لأني صديقك سأظل معك إلى أن نصل لآخر هذا الأمر، هيا بنا لنذهب لفتاتك.
ذهبنا لمريم وطلبت مقابلتها
- بدون مقدمات لا طائل منها، أنا أعشقك، وأريد الزواج منك.
قالت بأسف وحزن: لا يجوز زواجنا، أنت ..
قاطعتها: أنا مسلم، لقد أسلمت.
تهلل وجهها وقالت: حقًا ما تقول؟!
- نعم وأصبح اسمي يوسف.
صمتت قليلًا ثم سألت: أسلمت من أجلي أنا أم من أجل الاسلام؟
- من أجلكِ.
- لن أقبل بك إلا لو قرأت وتمعنت في الاسلام، وأيقنت من صحيح ما فعلت وليس لمجرد الزواج مني.
- هل ستوافقين ساعتها؟
- نعم.
تركتها وعكفت على القراءة والتأمل بعد أن هربت من المنزل وسكنت في مكان بعيد، واستقلت من عملي وبدأت البحث عن عمل في مكان آخر.
بعد شهرين توجهت لمريم، هذه المرة في منزلها.
قرعت جرس الباب ليفتح رجل لي بالتأكيد هو والدها، عرفته بنفسي وطلبت الحديث معه، أدخلني وجلس.
فاتحته بما أريد، وصارحته بم كان مني ومن دخولي للإسلام حديثًا، وبينما نحن نتكلم، رن الجرس وذهب ليفتح ليقتحم خالي الأب متى الباب وينظر لي والشرر يتطاير من عينيه: إذن ما قاله ميشيل صحيح، تركتنا لتستطيع الزواج من الفتاة.
لم يترك لي فرصة للحديث أو للتعقيب على ما يقول واندفع موجهًا الكلام لوالد مريم: صدقني يا أستاذ عبدالرحمن لن تنعم ابنتك بدقيقة من الراحة إن تزوجت منه فنحن لن نتركه حتى يعود لدينه.
نظر لي والدها وقال: ليس لدي بنات للزواج، طلبك ليس عندي.
وغادر خالي وأنا معه مطأطأ الرأس، ليقول خالي بكل فخر: عد لدينك فها هم قد رفضوك.
لم أجبه وتركته ومضيت لحال سبيلي.
في اليوم التالي ذهبت لمريم وقابلتها، وشرحت لها أني قد درست وفهمت ولن أترك الاسلام وسأحارب من أجلها، لتصدمني بأن والدها مصمم على ألا تتم هذه الزيجة فهي وحيدته ولن يلقي بها للتهلكة على حد قوله، وهي لن تخرج عن طوعه أبدًا وستضع ذلك القلب الذي نبض من أجلي تحت قدميها وتئده في مهده.
لم أيأس، وتابعت أخبارها، والرسائل تصلني من خالي بأن أعود عما فعلته وأرجع لهم، بما أنني فقدت الأمل بالزواج منها، علمت أنها خطبت وأن حفل الزفاف بعد أسبوع وستسافر للخارج.
ذهبت لها بالمشفى لكنها رفضت مقابلتي.
اليوم عرسها
يا خالق الأكوان لقد قبلتني في رحابك لكن خلقك لم يفعلوا، ربما كان المحرك لي لأدخل رحاب الإسلام هو رغبتي بها ووسيلتي لنيلها، لكني الآن صادق، ولكنهم لم يقبلوني، لفظوني وقالوا لا ليست لك، لن تكون لك، لا تحلم حتى بظفرها.
متخفيًا راقبتها وهي تزف له وغادرت، دفنت حبي في قلبي وسأعيش عمري راهبًا في محراب حب مستحيل.
#nashwa_aboalwafa
#نشوة_أبوالوفا
التعليقات الأخيرة