قراءة تحليلية في "إعلان ترامب للسلام": استثمار أزمة غزة لرسم ملامح النظام الإقليمي الجديد
قراءة تحليلية في "إعلان ترامب للسلام": استثمار أزمة غزة لرسم ملامح النظام الإقليمي الجديد
بقلم/عدنان صگر الخليفه
لم تكن قمة شرم الشيخ للسلام لعام 2025 مجرد محطة دبلوماسية لإنهاء جولة قتال في قطاع غزة، بل شكّلت، تحت الرعاية المشتركة، وعلى رأسها الرئيس دونالد ترامب، نقطة تحول مفصلية تهدف إلى إعادة ترتيب الخارطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط. فقد تجاوز الإعلان الختامي للقمة، الموقع من قادة الدول الأربع الضامنة للوساطة (الولايات المتحدة، مصر، قطر، وتركيا)، نطاق التهدئة الإنسانية إلى وضع إطار إقليمي شامل للمنطقة.
التحليل العميق يكشف أن القوى الدافعة للقمة استثمرت الضرورة الملحة لوقف الكارثة الإنسانية في غزة كـ "منصة إلزام" إقليمي، حيث وجد أكثر من عشرين وفداً عربياً، حضروا للتعبير عن الدعم، أنفسهم أمام وثيقة تضمنت مفاهيم جوهرية ترسخ مشروع التطبيع الشامل. كان أبرزها التأكيد على "الأهمية التاريخية والروحية العميقة" للأديان السماوية الثلاثة (الإسلامية، المسيحية، واليهودية) والالتزام بـ "التعايش السلمي". هذا البند، تحديداً، يمثل اعترافاً ضمنياً يُنشئ الأساس الفكري لسلام مستقبلي لا يقوم على إلغاء الآخر، بل على إدارة الوجود المشترك، ما يمثل تحولاً جذرياً في فلسفة التعامل مع الصراع.
وفي مواجهة هذا التحول، اضطرت الدول التي تتبنى موقفاً مبدئياً رافضاً للتطبيع، كالعراق الذي يُحصِّن موقفه بقانون تشريعي يجرِّم أي تعامل مع الكيان، إلى انتهاج ما يمكن وصفه بـ "المناورة الدبلوماسية المُلزمة". يتمثل هذا التكتيك في القبول باللغة الإنسانية والدينية العامة للوثيقة لتفادي العزلة السياسية وتأكيد الانخراط في جهود الاستقرار، بينما تُبقي هذه الدول على سيفها القانوني وشرطها السياسي القاطع المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
إن التحدي الأبرز أمام هذه القيادات يكمن في كيفية تبرير هذا القبول الجزئي أمام شعوبها الرافضة. حيث ستضطر إلى إعادة تأطير مشاركتها على أنها إنجاز إنساني يهدف لوقف القتال وإعادة إعمار غزة، مع التأكيد على أن الموقف السياسي الحاسم تجاه التطبيع يظل مرهوناً بتحقيق المطالب الفلسطينية العادلة. وعليه، فإن القمة لم تكن حدثاً منفرداً لغزة، بل كانت بمثابة ورشة عمل جيوسياسية هدفت إلى تثبيت قواعد لعبة إقليمية جديدة بقيادة أمريكية.
التعليقات الأخيرة