• مصر
  • الثلاثاء، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 04:08:20 PM
news-details
مقالات

العمل والأجر بين إرضاء الخالق وطلب الشهرة

العمل والأجر بين إرضاء الخالق وطلب الشهرة


بقلم: أحمد الشبيتي

إنّ الناظر في أحوال مجتمعاتنا اليوم، والمتأمّل في سيل الأحداث وتدفّق الأنشطة، ليقف حائرًا أمام ظاهرة متنامية لا تخلو من غرابة وتساؤل، تتعلق بجوهر العمل وفلسفة العطاء. نتفق جميعًا على أنّ العمل الصالح، وخدمة الناس، والسعي في قضاء حوائجهم، هو من أعظم القربات وأجلّ الطاعات. 

هو التجارة الرابحة التي أشار إليها رب العباد في كتابه الكريم: 
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" (الصف: 10-11).

لكن ما نراه في هذه الأيام يدعو إلى وقفة مراجعة وتدقيق. لقد أصبح العمل، حتى الذي يندرج تحت مظلة "خدمة المجتمع" و"قضاء المصالح"، مثقلاً بأوزار الشهرة والتباهي، ومحفوفًا برغبة عارمة في الإعلان والتسابق على الظهور. 

نرى الكل يتسارع في الحديث عن أعمال، سواء قام بها بنفسه أو كان مجرد سبب فيها، وكأنّ الأجر والثواب لم يعد كافيًا، بل يجب أن يُقرَن بذكر الاسم وتوثيق المجهود عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

هل تحوّل عمل الخير من عبادة خالصة إلى "شو إعلامي" ومظهرة، هدفها الأوحد هو الدعاية الشخصية، أو التمهيد لمرحلة سياسية قادمة، أو مجرد التنافس على نيل شهادة الناس بدل شهادة الحق؟
العمل لوجه الله... هو الباقي:
إنّ القلة القليلة التي تعمل وتجتهد لوجه الله ومرضاته، هي التي تدرك القيمة الحقيقية للجهد المبذول. 

هذه القلة تعمل في صمت، تبتغي الأجر والثواب من رب العباد وحده، متيقّنة بأنّ الجزاء الحقيقي لا يُقاس بعدد "الإعجابات" أو بضخامة العناوين الصحفية. أجر العمل الخالص يظهر في بيوتهم سكينة، وفي صحتهم عافية، وفي أولادهم صلاحًا وهداية. هذا هو الأجر الذي لا يفنى ولا يزول.

أما التنافس على الشهرة، والمباهاة بالأعمال الطيبة، فإنه يُفقد العمل جوهره، ويُدخله في دائرة الرياء الذي حذّر منه النبي الكريم، ويحوّله من تجارة مع الله إلى تجارة مع البشر، وهي تجارة سرعان ما تبور وتخسر قيمتها بمجرد زوال الدافع البشري.

أفيقوا... فليست الكراسي تدوم:
إنّنا نعيش في أجواء سياسية واجتماعية مشحونة، خاصة ونحن على مشارف انتخابات برلمانية لمجلس الشعب. وفي هذه الأجواء، يزداد السعي والجهد، وتكثر الوعود والمبادرات. البعض يجدها فرصة لإظهار ما لديه من قدرة على التواصل وحل المشكلات، والتحرك في الأفراح والمناسبات والمستشفيات، وكل هذا جميل في ظاهره، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: 
ما هو المحرّك الحقيقي لهذا النشاط؟
هنا يأتي ميزان الابتلاء والفرز الإلهي. فلينظر كل امرئ إلى نيّته. هل هي تجارة مع الله لا تنتهي؟ أم هي مصلحة عابرة مرتبطة بزوال وانتهاء الانتخابات البرلمانية؟ هل العمل سيستمر على طول الطريق، أم أنه سينتهي بمجرد معرفة من سيجلس على الكرسي ومن لم يوفّق في الجلوس؟

تذكّروا أيها الأعزاء: ليست الكراسي تدوم، وما هي إلا أيام قليلة، وكل شيء سوف يرجع إلى أصله. سيعود الناس إلى حياتهم، وسنرى من كان يعمل بصدق ويتحرك لله، ومن كان منافقًا يتخذ العمل والخدمة كقناع للوصول إلى غرض شخصي أو سياسي.

التجارة مع الله لن تنتهي:
إنّ تجارة الله رابحة لا تعرف الخسارة. إنها لا ترتبط بنجاح سياسي ولا بزوال منصب. من يريد التجارة مع الله، فليعمل في الخفاء كما يعمل في العلن، ولتكن نيّته خالصة لوجه الله تعالى. توكّلوا على الله، وسوف ترون العجب العجاب في سعة رزقكم، وراحة بالكم، وقبولكم في قلوب الناس.

تمسّكوا بالأخلاق والعمل لوجه الله تعالى، فالفوز الحقيقي هو بحب الناس الصادق لكم، الذي يستمَدّ من حب الله لكم. لا شيء يدوم ولا شيء يبقى غير قدرة الله عز وجل، وصدق النيّة، وحسن العمل.
والأيام بيننا كفيلة بكشف المستور وتمييز الصادق من المنافق.

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا