المنطرة
المنطرة
...
نصٌّ بقلم د. عبد الرحيم جاموس
في صباحٍ يشبهُ البداياتِ الأولى،
حينَ كانتِ الحجارةُ تنطقُ،
وتغنّي الأرضُ من وجعِها،
تنهضُ المنطرةُ ...
شاهدةً على صبرِ الفلّاحينَ،
وعنادِ الترابِ الذي لا يلين...
***
كم مرَّ عليها من مواسمَ جافّةٍ،
ومن ليالٍ كانتِ الريحُ فيها ...
تسرقُ دفءَ العريش،
لكنّها ظلّت قائمةً،
تستظلُّ بسماءٍ ...
حُفرتْ فيها وجوهُ الذينَ رحلوا ...
ولم يرحلوا...
***
يا منطرةَ الكرمِ،
يا سِرَّ الحكايةِ في الجبل،
يا قلبًا من حجرٍ يتنفّسُ الندى،
وذاكرةً تشبهُ الأغنيةَ الأولى،
ما زالَ في صدركِ نَفَسُ الناطورِ ...
يحرسُ الحقولَ بنظراتٍ من نور،
وفي عيونِ الزيتونِ ...
ترتجفُ حكايا الأمسِ الجميل...
***
منكِ تفيضُ الحكايةُ كنبعٍ قديم،
ومن ظلالِكِ ...
تُولدُ القصيدةُ بلهجةِ القمحِ ...
ونَفَسِ التراب،
يا بيتَ السهرِ والصلاة،
كم خبّأتِ في جدارِكِ ...
أنينَ البذارِ،
وضحكةَ المطرِ،
وحنينَ الأمهاتِ ...
إلى أيّامٍ كانَ فيها الوطنُ ...
أكثرَ دفئًا، وأقلَّ وجعًا...
***
أيتها المنطرة،
يا وجهَ الأرضِ حينَ تتعبُ،
ويا قلبَها حينَ تصبر،
قومي من رمادِ المواسم،
وامسحي عن جبينِ الوقتِ ...
غبارَ النسيان،
فما زالَ فينا ...
مَنْ يزرعُ على الحجارةِ حُلْمًا،
ويحرسُ ضوءَ الزيتونةِ الأخيرة،
كأنّهُ يحرسُ قلبَ فلسطين...
***
وهكذا تبقينَ ...
لا تهدُّكِ السنونُ،
ولا تكلُّ الحجارةُ من الانتظار،
كأنّكِ تُصلّينَ بصمتٍ ...
من أجلِ عودةِ الناطورِ،
ومن أجلِ وطنٍ ...
يستيقظُ كلَّ فجرٍ من بينِ الركام،
ليقولَ للعالم:
هنا كانتِ الحياة،
وهنا ما زالت،
وهنا ستبقى...
د. عبدالرحيم جاموس
الرياض / الخميس
16/10/2025 م
التعليقات الأخيرة