• مصر
  • الثلاثاء، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 02:20:57 PM
news-details
اشعار وخواطر

" ياسمين والزفير" (صوت طارق في العتمة ، عميق ، 

" ياسمين والزفير"
(صوت طارق في العتمة ، عميق ، 


تأملي ،  كأنه يحدّث الوعي لا الجمهور.)
طارق :
أيتها الليلة التي تُنصت أكثرَ مما تتكلم
يا صدى الوجود حين يختبئ خلف أنوثته ، 
 ليعيد تعريف المعنى
هل سأل أحدٌ نفسه يومًا :
من أين تبدأ المرأة حين لا يُسندها العالم؟
هل تبدأ من قلبها؟
أم من ذاكرةٍ لم تكتبها بعدُ يدُ الرجال؟
أنا لا أتحدث عن امرأةٍ بعينها ، 
بل عن شمس أخرى ، ليست التي نعرفها ،
بل التي تُشرق في الداخل حين تنطفئ كل الأنوار.
نحن لا نراها ، لأنها لا تطلّ من النوافذ ،
بل من الشقوق التي تركتها الخيبات في الجدار.
كل امرأةٍ حين تصمت ،  تكتب مسرحًا سرّيًا ،
تُعيد فيه توزيع الأدوار :
فتُصبح هي الكاتبة ، وهي البطلة ، 
وهي القاضي ، وهي المذنب ،
وكل ما تبقّى مجرّد ظلال على حائط الصبر.
هذه الليلة ، لن نُحاكم أحدًا ،
لن نطلب اعترافًا ، ولن نُصدر حكمًا.
سنكتفي بأن نُصغي ، لا إلى ما يُقال
بل إلى ما يحدث في الصمت بين الكلمات.
الليلة
شمسٌ جديدةٌ تُولد من رمادها ،
وتتكلم  أخيرًا  بلسان الوعي لا الخضوع.

(صمت قصير ، ثم يبدأ الضوء يتسلل إلى المسرح.)
(ياسمين تجلس في منتصف المسرح ، أمام مرآة مائلة ، الضوء يلامس نصف وجهها فقط.)
ياسمين : هل تعرفون ما أقسى من الوحدة؟
أن تكون محاطة بالعالم ، ولا يراك أحد.
كنتُ أظنّ أنني أعيش ، 
لكنني كنتُ أؤدي دورًا مكتوبًا بخطٍّ لا أعرفه.
كل خطوةٍ كانت موقّعة باسم غير اسمي ،
وكل كلمةٍ تخرج من فمي تمرّ أولاً من غربال التوقعات.
كنتُ ابنةً ، ثم تلميذةً ، ثم امرأةً "صالحة".
كلمة جميلة ،  لكنها تشبه قفصًا مطليًا بالذهب.
(تنظر إلى المرآة)
ياسمين ، هل ما زلتِ هناك؟
كم مرةٍ حاولتِ أن تهربي مني؟
وكم مرةٍ صدّقتِ أن الهروب خلاص؟
كنتِ تسيرين على خيطٍ من الضوء ،
لكن كلما اقتربتِ من الحقيقة ، انطفأ المصباح.
قالوا لي : كوني لطيفة. فكنتُ لُطفي وأنا أنزف.
قالوا لي : كوني صبورة.
فصبرتُ حتى انكسرت عضلة الحلم.
قالوا : كوني أنثى ، فكنتُ ظلًّا لأنثى لم تُخلق بعد.
لكن ، من قال إن الأنوثة ضعف؟
ومن قال إن الحنان لا يُمكن أن يكون سلاحًا؟
أنا لستُ ناعمة كما تظنون ، 
أنا كالماء ، أحتوي كلّ الأشكال ،
لكنني حين أفيض ،  أغرق مدينةً كاملة دون ضجيج.
في داخلي امرأة أخرى ،
لا تعرف المكياج ولا اللغة ولا أسماء الشوارع.
امرأةٌ بدائيةٌ كالدهشة ، تضحك حين تبكي،
وتبكي حين ترى طفلًا ينام على ظلّ حلمه.
تلك هي ياسمين التي خبأتها عنكم.
التي تكتب الشعر على أطراف الليل ،
وتزرع وردًا في الأماكن التي أهملها الضوء.
(تقترب من المرآة ببطء)
أتعلمين يا مرآتي؟
كلما نظرتُ إليك ، رأيتُ امرأةً جديدة.
واحدة تجرّ خلفها ماضيها كذيل فستانٍ ممزق ،
وأخرى تمشي فوقه كأنه بساطُ نجاة.
أنا الاثنتان معًا. الخائفة ،  والجريئة.
الضعيفة ، التي تعلّمت أن الضعف ليس عيبًا ،
 بل اعترافًا بالحياة.
أيها العابرون في عمري ، لا أريد تصفيقكم.
ارفعوا فقط رؤوسكم قليلًا نحو السماء ،
وشاهدوا امرأةً تستعيد ضوءها الأول.
الليلة لن أكون جميلةً كما تظنون ،
بل صادقة كما لم أتجرأ يومًا أن أكون.
أنا “ياسمين” ، ابنة الأرض والماء ،
ولدتُ مرتين ، مرةً حين بكيت،
ومرةً حين قررتُ ألا أُخفي دموعي بعد الآن.
(صمت مطبق ، 
 موسيقى خافتة تشبه أنين الريح في آخر الليل.
خيط ضوء رفيع يهبط من أعلى المسرح نحو ياسمين.)
صوت طارق كصدى بعيد :
يا ياسمين ، 
هل تعلمين أن الضوء لا يولد من المصباح ،
بل من القلب حين يصدق نفسه؟
(ياسمين ترفع يدها نحو الضوء ، 
كأنها تلمس وهمًا.
يتسع الضوء حولها تدريجيًا ، يغمرها.)
ياسمين بهمسٍ أقرب إلى صلاة :
كنتُ أظنّ أنني أبحث عن رجلٍ يفهمني ،
فاكتشفتُ أنني كنتُ أبحث عن نفسي.
كنتُ أظنّ أن الحبّ وجهٌ آخر للنجاة ، 
فاكتشفتُ أنه وجهٌ آخر للمعرفة.
كنتُ أظنّ أنني أنثى تكمل نصف العالم ،
فاكتشفتُ أنني العالم كلّه حين أصدق أنني موجودة.
(تتحرك ببطء كأنها ترقص مع الضوء ، 
وكل خطوة تمحو ظلًّا خلفها.)
ياسمين :
أنا لستُ زهرةً في مزهرية أحد ،
 ولا حلماً مؤجلاً في دف مغلق.
أنا نَفَسُ الأرض حين تتنفس صدقه ،
أنا الأنثى التي تعود إلى أصلها ، نورٌ في صورة إنسان.
(الضوء يشتدّ حتى يغمر المسرح كله.
تضحك وتبكي في آن ، ثم تتلاشى في وهجٍ ناعم.)
صوت طارق من بعيد :
وهكذا 
حين فهمت ياسمين نفسها ، توقفت عن انتظار العالم.
وحين توقفت عن الانتظار ، بدأ الوجود يتكلم بصوتها.
(آخر ما يُسمع هو همسها الأخير ، 
خفيف كأنفاس الورد )
ياسمين :
كلّ أنثى وعيٌ ينتظر أن يُسمع
فإذا تكلّم ، أزهرت الأرض من جديد.
(ورقة بيضاء تسقط من أعلى المسرح ،
عليها بخط يدوي كلمة واحدة: "شَمس".)
ستار
طارق غريب

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا