• مصر
  • الثلاثاء، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 08:00:21 AM
news-details
مقالات

التكرار السردي في المسلسلات التركية... دراما تدور في دائرة مغلقة

التكرار السردي في المسلسلات التركية... دراما تدور في دائرة مغلقة


بقلم: [ربا رباعي]

منذ مطلع الألفية الجديدة، أصبحت الدراما التركية ضيفًا دائمًا على الشاشات العربية، تقتحم البيوت بمشاهدها الساحرة، ووجوه أبطالها الملسوعة بالجمال، وألحانها التي تسرق القلب قبل العيون. لكن، ومع سطوع هذه الصناعة الضخمة، بدأت ملاحظة لا يمكن تجاهلها: الدراما التركية تدور في دائرة سردية مغلقة، وكأنها تكرر نفسها في قصة واحدة طويلة تتبدل فيها الأسماء فقط.

 قصة تُروى ألف مرة

من يتأمل معظم الإنتاجات التركية، يجد أن الحبكة الأساسية متشابهة حدّ التطابق:
شاب فقير يقع في غرام فتاة غنية، أو العكس، لتقف الطبقية والعائلة والعادات عائقًا بين قلبيهما. يدخل الشرير التقليدي ليحاول تحطيم العلاقة، ثم تتعقد الأحداث عبر خيانات، ومؤامرات، ومآسٍ متوقعة.
قد تتغير أسماء الأبطال أو المدن أو المهن، لكن النتيجة واحدة: حب ممنوع، فراق مؤلم، دموع، ثم مصالحة مؤجلة.


 الإطالة.. عدو الدراما التركية الأول

لا يمكن الحديث عن التكرار السردي دون التوقف عند ظاهرة الإطالة المتعمدة.
الحلقة الواحدة قد تمتد لساعتين أو أكثر، تُعاد فيها اللقطة الواحدة من عدة زوايا، وتُكرر فيها المشاهد العاطفية والبكائية حتى يفقد الموقف تأثيره. هذا التمطيط الزمني ليس صدفة، بل هو خطة إنتاجية مدروسة تهدف إلى زيادة عدد الحلقات وبالتالي رفع العائد الإعلاني.
لكن النتيجة الفنية تأتي معاكسة: مشاهد يشعر بالملل بدلًا من الترقب، وبالاعتياد بدلًا من الشغف.

شخصيات بنسخة واحدة

من المسلسل إلى آخر، تتكرر نفس النماذج البشرية:
الأم المتسلطة التي تكره حبيبة ابنها، الأب الغائب الذي يعود بعد فوات الأوان، الصديق الخائن، الحبيبة الطيبة التي تعاني بصمت.
كأن صُنّاع الدراما التركية يعتمدون قوالب جاهزة تُملأ بأسماء جديدة فحسب. هذا الأسلوب قد يضمن قبولًا جماهيريًا سريعًا، لكنه في النهاية يقتل عنصر الابتكار ويحوّل الدراما إلى صناعة ميكانيكية.

 الذاكرة البصرية المكرّرة

حتى على المستوى البصري، نجد المشاهد تتكرر: اللقطات البطيئة، الذكريات المعادة، الفلاش باك المستهلك الذي يُذكّر المشاهد بما رآه قبل دقائق.
هذا التكرار السردي البصري يُضعف الإيقاع ويحوّل الدراما من حالة وجدانية إلى آلة عرض مملة.

 لماذا هذا التكرار؟

الأسباب كثيرة، تبدأ من الاعتبارات التجارية التي تفرض على المنتج إطالة العمل لتكبير الأرباح، مرورًا برغبة القنوات في تعبئة ساعات البث، وصولًا إلى اعتماد الكتّاب والمخرجين على وصفات نجاح مجرّبة أثبتت فعاليتها في أعمال مثل العشق الممنوع وفاطمة ونور.
إنها معادلة بسيطة: ما دام الجمهور يُشاهد، فلماذا نُغامر؟
لكن السؤال الحقيقي: إلى متى؟


 حين يتحول النجاح إلى فخ

المفارقة أن هذا التكرار الذي صنع شهرة الدراما التركية أصبح اليوم أكبر نقاط ضعفها.
الجمهور بدأ يملّ من التماثل في القصص، والنقاد يصفون كثيرًا من المسلسلات بأنها نسخ باهتة من نجاحات سابقة. حتى الجمهور التركي نفسه بات يبحث عن أعمال أقصر وأكثر عمقًا، مثل الدراما الرقمية القصيرة التي تقدمها المنصات الحديثة.

 كيف يمكن كسر الدائرة؟

لعل أولى خطوات الإنقاذ تكمن في تحرير الدراما من هوس الإطالة، وجعل مدة الحلقة منطقية تسمح بكثافة الأحداث وتنوعها.
كما أن تجديد الدماء في الكتابة ضرورة عاجلة، بفتح المجال أمام كتّاب جدد لديهم الجرأة على كسر النمط التقليدي، وتقديم موضوعات تتجاوز الحب الممنوع إلى قضايا الهوية، والاغتراب، والواقع الاجتماعي والسياسي التركي.
إضافة إلى ذلك، يمكن الرهان على البنية البصرية الجديدة — كاميرات أكثر حيوية، إيقاع أسرع، ومونتاج أكثر ذكاءً — يعيد للدراما وهجها المفقود.

 خاتمة: دراما تبحث عن نفسها

الدراما التركية اليوم تقف عند مفترق طرق:
إما أن تواصل الدوران في حلقة مكرّرة من القصص المألوفة،
وإما أن تخرج من منطقة الراحة وتغامر بابتكار سرد جديد يليق بجمهور بات أكثر وعيًا ونقدًا.
فالمشاهد المعاصر لم يعد يبحث عن قصة حب أخرى، بل عن صدقٍ درامي يعكس واقعه ويهزّ وجدانه.

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا