أبناؤنا في الغرف المظلمة.. صرخة إلى ضمير الأمة
أبناؤنا في الغرف المظلمة.. صرخة إلى ضمير الأمة
✍️ بقلم: أحمد أبو زيد الشبيتي
لم تعد غرف أبنائنا كما كانت.. لم تعد مسرحًا للعب وضحك الطفولة، بل أصبحت شاشات مضيئة تخفي وراءها ظلامًا عميقًا!
صرنا نرى الطفل الذي لم يتم الرابعة يحمل هاتفًا متصلًا بالعالم، لكنه منقطع عن أسرته، يلهو وحده، يأكل وحده، وينام وهو ممسك بجهازٍ لم يخلق لعمره ولا لعقله.
إنها غرفنا المظلمة الجديدة التي صنعناها بأيدينا، حين قدّمنا الموبايل بدل الحنان، والتطبيقات بدل التربية.
مأساة تبدأ من اللعب وتنتهي بالعزلة
تبدأ القصة بلعبة إلكترونية، أو مقطع كرتوني، وتنتهي بطفلٍ صامتٍ، متوترٍ، منعزلٍ، لا يعرف كيف يتحدث ولا كيف يشعر.
لقد فقدنا السيطرة ونحن نُسلم أبناءنا لشاشاتٍ تتغذى على عقولهم ومشاعرهم دون وعيٍ منا.
جيلٌ كامل أصبح يعيش داخل غرف مغلقة، يتواصل مع العالم الافتراضي أكثر مما يتواصل مع أسرته ومجتمعه.
الدين ينادي: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”
قال رسول الله ﷺ: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”.
وفي الكتاب المقدس: “ربوا أولادكم بتأديب الرب وإنذاره”.
فالإسلام والمسيحية معًا حمّلا الأسرة واجب التربية والرعاية، لا التفريط ولا الإهمال.
إن ترك الأطفال فريسة للشاشات دون رقابة هو تفريط في الأمانة وخيانة للرسالة التي استودعنا الله إياها.
الدين لا يرفض التكنولوجيا، لكنه يحذّر من أن تُصبح بديلًا عن الإنسان، وعن دور الأب والأم والمعلم والقدوة.
القانون يحذر.. والتربية تنادي
القانون المصري واتفاقية حقوق الطفل يؤكدان على حماية الطفل من كل ما يهدد سلامته النفسية والفكرية.
ترك الطفل يتعرض لمحتوى غير مناسب يدخل في نطاق الإهمال الأسري الذي قد يُسأل عنه الوالدان قانونًا.
كما أن المدرسة والوزارة والإعلام شركاء في هذه المسؤولية، وعليهم واجب التوعية بأخطار الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، ووضع ضوابط تحمي الصغار قبل الكبار فهى مسؤولية جماعية لا فردية
لسنا أمام ترفٍ اجتماعي، بل أمام خطر وطني وأخلاقي يهدد أجيال مصر القادمة.
على الإعلام أن يكشف، وعلى رجال الدين أن يُرشدوا، وعلى المدارس أن تُربي، وعلى أولياء الأمور أن يراقبوا ويتابعوا.
التكنولوجيا ليست عدوًا، لكنها تصبح أداة تدمير إذا أسيء استخدامها.
فلنُطفئ الشاشات قليلًا، ولنُشعل النور في عقول أبنائنا وقلوبهم.
رسالة إلى كل أب وأم
أيها الأب الكريم… أيتها الأم الفاضلة…
قبل أن تهدوا أبناءكم هاتفًا أو تتركوه بين أيديهم، تذكروا أنكم تهدونهم بوابة إلى عالمٍ لا يعرف الرحمة، إن لم تُحسنوا حمايتهم منه.
إن ضغطة واحدة على شاشة صغيرة قد تسرق براءتهم، وتُغيّر فطرتهم، وتزرع في عقولهم ما يعجز الزمان عن إصلاحه.
أغلقوا الهواتف، وافتحوا القلوب
احكوا لأطفالكم قصصكم بدل أن يسمعوها من الغرباء
علموهم السجود قبل التمرير، والقراءة قبل التصفح، والحوار قبل الانعزال.
فأبناؤنا ليسوا بحاجة إلى “واي فاي” قوي، بل إلى حضن دافئ، ووقتٍ صادق، وتربيةٍ تضيء عقولهم بدل أن تُطفئها الغرف المظلمة.
كلمة الختام
إذا أردنا مستقبلًا نقيًا، فلنبدأ من بيوتنا.
لنُحرر أبناءنا من سجن الأجهزة، ولنمنحهم حرية الطفولة كما أرادها الله…
حرية النور، لا حرية الشاشات.
ولنعمل جميعًا — إعلامًا، ودينًا، ومدرسةً، وأسرةً — على إنقاذ جيلٍ كامل من الضياع في الغرف المظلمة.
التعليقات الأخيرة