news-details
مقالات

حين يولد السلام من قلب العاصفة

حين يولد السلام من قلب العاصفة


بقلم/نشأت البسيوني 

أحيانا لا يأتي السلام من الهدوء بل من قلب الضجيج حين تتصالح مع الريح بدلا من محاربتها

حين يولد السلام من قلب العاصفة لا يكون هروبا ولا استسلاما
بل ولادة جديدة لروح أنهكها الصراع فاختارت أخيرا أن تهدأ
هي لحظة لا تشبه السكون بل تشبه النور الذي يتسلل بين الغيوم بعد مطر غزير
تظن أن كل شيء انتهى ثم ترى فجأة أن الحياة لم تنته بل تغيرت ملامحها فقط

العاصفة لا تأتي عبثا
إنها تأتي لتكشف ما لا يرى في وضوح الأيام
تكشف من يقف بجانبك حين تشتد الريح
ومن يغادر أول ما تتعالى الأصوات
تكشف لك نفسك مدى صبرك مدى هشاشتك
وتريك أن القوة الحقيقية ليست في الصمود فحسب
بل في قدرتك على البقاء لطيفا بعد كل هذا الخراب

حين يولد السلام من قلب العاصفة
يصبح الألم جزءا من الحكاية لا نهايتها
تتذكر كم بكيت كم شعرت بالانكسار
ثم تبتسم لأنك تدرك أنك عبرت
كنت تظن أنك لن تنجو لكنك نجوت
كنت تظن أنك ستسقط لكنك نهضت
وفي قلب الفوضى ولدت منك نسخة جديدة
أكثر هدوءا أكثر نضجا وأكثر تصالحا مع الوجع

العاصفة تربكك نعم لكنها تطهرك أيضا
تنقي قلبك من شوائب التعلق
تسقط من حياتك من لم يكتب له أن يكمل الطريق
وتتركك عاريا أمام نفسك بلا أقنعة بلا ضجيج
لتسأل أخيرا من أنا بعد كل هذا
وتسمع الإجابة تأتيك من أعماقك أنا من نجوت

حين يولد السلام من قلب العاصفة
تصبح الوحدة صديقة لا وحشة
تجلس على ركام الأيام ترتب ذكرياتك كمن يعيد بناء بيت تهدم
لكن هذه المرة تشيده على أساس من الوعي لا من الوهم
لا تندم على ما رحل ولا تلعن ما أوجعك
لأنك تعلم أن الريح التي بعثرتك هي ذاتها التي حملت عنك ما كان يثقل صدرك

يأتي السلام لا حين تنتهي العاصفة
بل حين تكف عن انتظار انتهائها
حين تفهم أن الطمأنينة ليست غياب الألم
بل حضور الإيمان بأن الله معك رغم كل ما يحدث
حين تدرك أن الأشياء لا تحدث ضدك بل لأجلك
حتى وإن بدت قاسية في البداية

السلام الذي يولد من قلب العاصفة لا يشبه أي سلام آخر
لأنه سلام يعرف طعم النار ورائحة المطر ووجع الصبر الطويل
سلام لا يخاف الخسارة لأنه ذاقها
ولا يخشى الفقد لأنه تعلم أن الله لا يأخذ إلا ليعطي
سلام يبتسم في وجه الريح
ويقول بثقة واطمئنان مرت العاصفة ولم أمت بل ازددت حياة

وفي نهاية الطريق حين تنظر خلفك
تدرك أن أجمل ما في العواصف ليس نهايتها
بل ما تركته فيك من نضج وهدوء ونور
فالعاصفة لم تدمرك لقد أعادتك إلى نفسك
ومن رحمها ولد السلام الذي طالما بحثت عنه

فلا تخف من الرياح القادمة
ولا تلعن العتمة التي تخفي الطريق
ففي كل عاصفة تمر بك
هناك ولادة خفية لسلام جديد
سلام لا تمنحه الحياة بل تنضجه التجارب
ويكتبه الله في قلبك حين يدرك أنك صرت جاهزا لأن تهدأ

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا