news-details
مقالات

حين يصبح الصبر أسلوب حياة بقلم /نشأت البسيوني " جريده الأضواء المصريه "

حين يصبح الصبر اسلوب حياة
بقلم/نشأت البسيوني 

هناك اناس لم يتعلموا الصبر من الكتب ولا من الحكم الجاهزة بل تعلموه من ثقل الايام ومن الانتظار الطويل ومن خيبات متكررة حتى فقدت قدرتها على الصدمة هؤلاء لم يختاروا الصبر بدافع الفضيلة بل دفعوا اليه دفعا فصار جزءا من تكوينهم ومن طريقتهم في مواجهة الحياة الصبر هنا ليس حالة عابرة ولا موقفا مؤقتا بل اسلوب حياة كامل يبدأ من لحظة الاستيقاظ ويمتد حتى نهاية 

اليوم صبر على واقع لا يتغير بالسرعة المطلوبة صبر على احلام مؤجلة وعلى ظروف تفرض نفسها دون استئذان ومع ذلك يواصل الانسان السير وكأنه اعتاد هذا الحمل كثيرون يخلطون بين الصبر والرضا لكن الصبر في حقيقته ليس قبولا دائما بل قدرة على التعايش مع ما لا يمكن تغييره في اللحظة الراهنة الصبر هو ان تتحمل دون ان تنكر وجعك وان تستمر دون ان تخدع نفسك وان 

تمضي وانت تعلم ان الطريق لم يكتمل بعد حين يصبح الصبر اسلوب حياة يتغير الانسان من الداخل تتغير نظرته للاشياء وتقل دهشته من الخسارات ويصبح اكثر حذرا في احلامه واكثر واقعية في توقعاته لا لانه تخلى عن الطموح بل لانه تعلم ان الطريق اطول مما كان يظن الصابرون غالبا لا يلفتون الانتباه لا يرفعون اصواتهم ولا يطلبون تعاطفا مستمرا يحملون امورهم وحدهم ويفضلون 

الصمت على الشكوى ويعرفون ان الحديث لا يخفف دائما وان بعض الاوجاع لا تقال بل تحتمل ومع مرور الوقت يترك الصبر اثرا عميقا في النفس يمنح الانسان قوة داخلية لا تظهر في الاوقات العادية لكنها تحضر بقوة عند الازمات وفي المقابل يترك تعبا صامتا لا يشعر به الا صاحبه تعب ناتج عن طول الانتظار وعن تكرار المحاولات دون نتائج سريعة الصبر الطويل يعلم الانسان ان يميز 

بين ما يستحق القتال من اجله وما يجب تركه يعلم ان بعض المعارك تستنزف اكثر مما تبني وان التمسك الدائم قد يكون احيانا شكلا اخر من الخسارة لهذا يبدأ الصابر في مراجعة نفسه لا ليسأل لماذا اتألم بل ليسأل الى متى ولماذا وهنا يتحول الصبر من حالة سلبية الى وعي نشط يصبح الصبر اختيارا لا اجبارا ويصبح مرتبطا بالكرامة لا بالخضوع وبالحكمة لا بالتجاهل يدرك الانسان ان الصبر 

الحقيقي لا يعني ان تقبل كل شيء بل ان تختار ما يستحق الانتظار وما يستحق التغيير في هذه المرحلة ينضج الصبر ويتحول من عبء الى بوصلة يرشد الانسان في قراراته ويمنحه القدرة على التمييز بين التحمل الذي يبني والتحمل الذي يهدم بين الصمت الذي يحمي والصمت الذي يؤذي ومع الوقت يدرك الانسان ان الصبر وحده لا يكفي وان عليه ان يسأل نفسه عن كل قرار وعن كل 

تأجيل وعن كل تنازل وعن كل انتظار بلا نهاية هنا يبدأ الصبر بالتحول الى حكمة واستراتيجية للعيش بوعي اكثر وفي لحظة صدق مع النفس يفهم الانسان ان الهدف لم يكن يوما ان يصبح اكثر احتمالا بل ان يصل الى حياة اقل قسوة وان الصبر لم يكن نهاية الطريق بل وسيلة لعبوره فقط يبقى الصبر اسلوب حياة تعلمه البعض دون تخطيط وصقلته الايام دون رحمة لكنه في المقابل 

كشف لهم معدنهم الحقيقي وعلمهم ان الانسان قد لا يملك تغيير الظروف دائما لكنه يملك ان يحافظ على نفسه وقيمته وهو يعبرها وانه كلما ازداد الصبر عمقا كلما ازداد فهمه لنفسه وللعالم من حوله ولأنه بهذه المعرفة يستطيع ان يعيش حياة صادقة وهادئة رغم كل الضغوط التي تحيط به

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا