خور عبد الله: حدود السيادة العراقية بين فكي القانون والمصالح الخفية
خور عبد الله: حدود السيادة العراقية بين فكي القانون والمصالح الخفية
بقلم/ عدنان صگر الخليفه
تُلقي قضية ترسيم الحدود البحرية العراقية، وتحديدًا اتفاقية خور عبد الله لعام 2012 التي صُدّق عليها عام 2013، بظلالها الثقيلة على المشهد السياسي العراقي. المحكمة الاتحادية عام 2023 ألغت الاتفاقية لخلل دستوري، مشيرة إلى أنها صُدّقت بأغلبية بسيطة لا تتوافق مع نصاب الثلثين المطلوب للاتفاقيات السيادية. هذا الحكم وضع الكرة في ملعب البرلمان لتصحيح الخطأ.
رئيس الوزراء الحالي، محمد شياع السوداني، يجد نفسه في مأزق، فكونه أحد الموقعين على الاتفاقية سابقًا يجعله مترددًا في إيداع قرار المحكمة أو الخارطة البحرية الجديدة دوليًا. هو يسعى لتجنب إضفاء شرعية دولية على وثيقة داخلية معيبة دستورياً، فضلاً عن تحاشي تبعات سياسية وشخصية.
المفارقة تكمن في رد فعل البرلمان. بدلاً من التصويت على الاتفاقية بنصاب الثلثين لتصحيح الخلل الدستوري، قام رئيس الجلسة بإعادتها إلى الحكومة، مبرراً ذلك زوراً بأنه تنفيذ لقرار المحكمة. هذا ليس سوى تنصل من المسؤولية ورمي الكرة في ملعب الحكومة للمماطلة.
هذا التهرب له دوافع عميقة: الكتل السياسية والنواب المتورطون في الاتفاقية الأصلية يخشون "كشف الأقنعة" أمام الرأي العام. فالاعتراف بالخطأ الدستوري سيعني "تسقيطهم" شعبيًا وسياسيًا، مما يهدد مستقبلهم الانتخابي. هم يفضلون المماطلة على تحمل مسؤولية قد تهز ثقة الشعب بهم. فالأزمة بالنسبة لهم تكمن في حماية وجود البرلمان كمؤسسة وكأشخاص، فهم يرون سقوط البرلمان أخطر بكثير من سقوط حكومة يمكن إعادة تشكيلها.
يزيد الأمر تعقيداً عامل "الأيادي الخفية" والتبعية الخارجية. فمن الممكن أن تكون هناك قوى دولية، غير الكويت، تمارس ضغوطاً عبر كتل وأحزاب سياسية عراقية معينة. هذه التبعية تجبرهم على المضي في الاتفاقية، أو على الأقل عدم عرقلتها جذريًا، حتى لو تعارض ذلك مع المصالح الوطنية وقرارات المحكمة الدستورية، مما يمنع العودة إلى المرجعيات الدولية السابقة التي تؤكد حقوق العراق.
في المحصلة، فإن ملف اتفاقية الحدود البحرية العراقية ليس مجرد خلاف قانوني، بل هو صراع سياسي معقد، تتداخل فيه المصالح الشخصية والحزبية مع الضغوط الخارجية، وكل ذلك يتم على حساب الالتزام الدستوري والمصالح الوطنية العليا للعراق.
التعليقات الأخيرة