• مصر
  • الاثنين، ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 02:15:24 AM
news-details
فن

" فتاة من إسرائيل

العنوان الأصلي لهذا الفيلم هو " ظلّ الشهيد " ، و وُضع عنوان آخر بدلا منه لأنه  أكثر قدرة على جذب الجمهور وتحقيق أعلى الإيرادات  ، و هو " فتاة من إسرائيل

كتب يحي الداخلى" . 

 

الفيلم  إنتاج عام 1989م ، عن  رواية " قصة الوداعة والرعب " لمحمد المنسي قنديل ، سيناريو وحوار د.رفيق الصبّان . 
تدور الأحداث – ظاهريا – حول أسرة الأستاذ عبد الغني ( قام بدوره  الفنان محمود ياسين ) مدرس التاريخ ، وزوجته رتيبة ( من أقوى أدوار الفنانة رغدة ) ، وابنه طارق ( الفنان خالد النبوي ) ، وابنه الشهيد الذي قام بدوره خالد النبوي أيضا ، كأنهما توأم . ألقي هذا الشهيد ظلالَه على أحداث الفيلم ، بما يثبتُ دقة العنوان الأول وانسجامه مع الدلالة التي أراد المنسي قنديل التعبير عنها في روايته ، فقد طالعنا في المشهد الأول -  الذي كُتب عليه 1967م - ومعه عدد كبير من شهداء مصر ، وهم يحفرون قبورهم بأيديهم في الصحراء كما أمرهم جنود العدو الذين اصطفوا أمامهم مصوبين البنادق إلى رؤوسهم ، ثم إلى صدورهم ، ليسقطوا في القبور التي حفروها ، فيُهال عليهم التراب ! 
ينتقلُ بنا الفيلم من هذا المشهد - الذي جاء بلوني الأبيض والأسود لانتسابه إلى عام 67 م - إلى الحافلة السياحية التي وقفت في قلب القاهرة -في نهاية الثمانينيات - في انتظار المشتركين في إحدى الرحلات إلى  مدينة " طابا " ، وعلى رأسهم أسرةُ الأستاذ عبد الغني ، وبقية شخصيات ثانوية  . وبدءًا من اللحظات الأولى لوصول الفوج المصري إلى فندق طابا ، تبدأ المواجهة مع العنصر الإsرائيلي ، متمثلا في أسرة الدكتور يوسف ( قام بدوره الفنان فاروق الفيشاوي ) ، التي ضمّتْ ابن أخيه إبرام وابنته ليزا ، وهي فتاة إSرائيل المقصودة في عنوان الفيلم، ومجموعة أخرى من السائحين الإsرائيليين . 
تحوّلَ الفيلمُ ، من خلال الجمع بين الفوج  المصري والفوج الإsرائيلي ، إلى صورة رمزية لأرض سيناء التي  دار ، وما يزال يدورُ  ، الصراع حولها بين الطرفين ، واكتسى  الحوار الذي كتبه الدكتور رفيق الصبان أبعادا دلالية تتعلق بهذا الصراع ، كما  وُظّفت كثيرٌ من المفردات التي ترددت في الحوار توظيفا رمزيا  يُحيلُ المشاهد إلى هذا المعنى  ، من ذلك مفردتا : الوجود ،  والمكان . فقد دلتْ كلٌ منهما على  معنى يتفق مع المستوى الظاهري للأحداث ( والذي لا يتجاوزُ حدود الفندق  وما حوله ) ، ودلّت في الوقت ذاته  على المعنى الذي أراد المنسي قنديل ، ومن ثم كاتبُ السيناريو ، أن يكشف عنه ، أعني : سيناء ، خاصة ، والأرض المصرية كلها عامة ، بصفتها قضية مصير ووجود . ويستطيعُ المتلقي أن يتبين هذا من تأمله لدلالة المفردات في المشهد الذي وصفَ المواجهة  الأولى  بين الطرفين  فور وصول الفوج المصري إلى الفندق ، حيث أعلن أبرام ( الفنان الشاب عمرو مهدي )   ابن شقيق الدكتور يوسف لموظف الاستقبال رفضه القاطع للتجاور بين غرفته وغرف الفوج المصري، مصرا في استعلاء على تغيير هذا الأمر : 
- غيّر لي الأوضة دي حالا / أنا حر ، أختار المكان اللي يعجبني / حاجة من اتنين يا تنقلهم من المكان اللي أنا فيه ، يا تدور لي على مكان تاني / أنا وهمّا في مكان واحد لأ / مكان واحد ما يسعناش إحنا الاتنين . 
أمّا الفوج المصري الذي  فوجئ بوجود الإsرائيليين ، فاشتد الجدلُ  بين أفراده لاختلاف  الموقف الذي أراد كلٌ منهم أن يتخذه لمواجهة هذه الوضعية ، فقد  استنكر كثيرٌ منهم المبدأ ذاته ، مبدأ وجودهم مع  الفوج الإsرائيلي في مكان واحد  ، وتوجس أحدُهم  من حدوث اشتباك معهم  ، فاقترح البحث عن فندق بديل ، ففُوجئ  أن هذا الفندق هو الوحيد في المنطقة  وهنا  قالت إحدى الفتيات في إصرار ( في إشارة إلى رمزية الفندق ودلالته على أرض سيناء ) : 
- حتى لو فيه أوتيل تاني ..مش حنسيبه ونمشي ..ده حقنا  !
كان رأيها معبرا عن الأغلبية ، ومعبرا عن الضمير الجمعي للذات المصرية ، في المستوى الرمزي  للأحداث ، لذا تم الأخذُ به .  
وإذا كان الفوج المصري كله  اتُّخذ رمزا للذات  المصرية  ، فإنّ  " رتيبة "  زوجة الأستاذ عبد الغني  وُظّفت لعدة مستويات دلالية ، في رؤيتي الخاصة ، فهي زوجةُ أستاذ التاريخ الذي ترمزُ شخصيتُه للذاكرة المصرية أو ذاكرة القومية المصرية ، وهي رمزٌ لأمهات الشهداء ، فهي أم الشهيد الذي كان من بين من أجبرهم العدو الإsرائيلي على حفر قبره بيده بتهديد البندقية المصوبة إلى صدره والتي أسقطته في القبر ذاته ، هي رمز للأمهات الثكالى ، ورمز لكل أم مصرية تحفظ في ذاكرتها صورة العدو الدنئ الذي يهدد مستقبل أبنائها .  
اضطلعت السيدة  رتيبة  بتحريك الأحداث نحو التأزم  درجة أخرى ، بعد أن بدأ هذا التأزم بلقاء الطرفين ،  بأن  رفضت الإقامة في الفندق الذي يضم قتلة ابنها ، وأعلنت لزوجها عجزها الكامل عن احتمال النظر في عيون الإsرائيليين لأنها ، كما وصفتها في الحوار ، عيون  " طالل منها الرصاص اللي قتل ابنها " ، وعاودتها آلام مرض القلب التي أصابتها  بسبب استشهاد ابنها وهزمية 67م ، التي استعادها الفيلم  من خلال تقنية الفلاش باك  ، فطلبت من  زوجها أن يعود بها إلى مصر . لا أستطيع أن أترك هذا التعبير دون أن أسجل إعجابي الشديد بمهارة الدكتور رفيق الصبان في صياغة هذا التعبير الذي جعل مكان الأحداث  خارج إطار الخريطة والهوية المصرية لوجود الفوج الإsرائيلي فيه .
 نقف هنا وقفة تأمل  لمفردات الحوار الذي دار بين رتيبة والأستاذ عبد الغني  بعد أن طلبت منه العودة إلى ( مصر ) ، إذ استُعمِلت فيه المفردات استعمالا رمزيا  دالا على الصراع حول سيناء ، بما يتعدى الحدود الظاهرية ، والفضاء المكاني ،  للأحداث .
الأستاذ عبد الغني :
-  يعني نرجع ونسيبها لهم ونسافر ، كأنها مرجعتش لينا ، ويبقى دم ابننا راح هَدَر ؟َ ! . إذا كان فيه حد لازم يمشي يبقى هُمَّا ..
رتيبة : 
- مش قادرة أستحمل وجودي معاهم في حتة واحدة ..!
- لو سيبناها ومشينا يا رتيبة نقول إيه لإبننا ؟ إننا أغراب في بلدنا ؟! همّا اللي أغراب وهمّا اللي لازم يمشوا .
على صعيد الفوج  الإsرائيلي ، أخفى الدكتور يوسف أصوله الإsرائيلية وقدم نفسه للأستاذ عبد الغني بصفته أمريكيا متخصصا في علم الاجتماع ( نلاحظ رمزية التخصص ) ، فتعامل معه عبد الغني وفقا لمكانته العلمية  ، ورحب  بالجلوس معه ، وبادله الحديث ، وكشف له رأيه في الإsرائيليين ، وبأن هدفهم الوحيد هو الاستحواذ ( بما يساوي السطو على  المكان ) ، قال عبد الغني في وضوح : 
- هدفهم واحد ، مكتوب على الكينيست : من النيل للفرات . 
اشتمل الفيلم على عدة أحداث ، ومواقف،  فرعية ، كان الهدفُ منها  التعبير عن  العداء  الكامن في الشخصية الإsرائيلية  تجاه مصر ، ولعل أقوى هذه الأحداث دلالة  قيامُ  أبرام بمحاولة اغتصاب  إحدى فتيات الفوج المصري ، وهي أمينة ( الفنانة حنان ترك )  ثم قتل الشاب المصري الذي أنقذها وخلصها منه (  قام بدوره الفنان مصطفى شعبان ) ، مما أراه إعادة تمثيل لمقتل الشهيد ( ابن الأستاذ عبد الغني ) في هزيمة 67م ، وتجسيدا لدلالة العنوان الأصلي للفيلم ، أعني : ظل الشهيد . 
تمثّلت دلالة هذا العنوان  بقوة  في حكاية  طارق ( خالد النبوي  ) الذي تورط في علاقة حميمية مع ليزا ( الفنانة الشابة داليا حسين ) ابنة الدكتور يوسف ( الإsرائيلي الأصل ) التي شجعها أبوها على الاستمرار في هذه العلاقة لاستدراج طارق للسفر معها إلى أمريكا التي يحلم بها ليلا ونهارا ويراها نهاية لكل متاعبه وبدءًا لكل نجاح  عظيم  . وحين يصرُ طارق  على الاستمرار في  علاقته بليزا ، تُذكره أمه بأخيه الشهيد الذي قتله أمثال ليزا ويوسف ، و كان استشهاده سببا في حصوله على درجات إضافية  ( تُمنح لأسر الشهداء ) بما مكّنه من الالتحاق  بكلية الهندسة ، لكنه يواصلُ  علاقته بليزا منبهرا بما تقدمه له على الصعيدين ، العلاقة الجسدية والحلم الأمريكي ، إلى أن يستقل معها  الباخرة " إيلات " ، لكنه يُفاجئنا بعودته سابحا في  البحر بعد أن قفز من الباخرة تحت وطأة ذكريات أخيه  الشهيد ، وكأن ظل الشهيد هنا هو الذي أنقذه ، أو كأن طارق أراد أن يكون ظلا لأخيه الشهيد ، لا خائنا منتميا لأعدائه وقتلته . وعند خروجه من الماء يرى  تلاكما عنيفا متبادلا بين أبيه والدكتور يوسف والد ليزا . 
 جاء مشهد التلاكم ذروة  لمشاعر التربص والمقت التي تبادلها الطرفان ، المصري والإsرائيلي ، علانية واستتارا ، فبدا ذروة درامية وإعلانا صريحا باستمرار العداء  ورغبة كل طرف في القضاء على الآخر . خرج هذا المخزون من الكراهية والحنق صريحا  في قول الدكتور يوسف للأستاذ عبد الغني ، أثناء تواجههما  وتأهبهما للاشتباك  ، وقد أخذته الشماتة لأن ابنته اصطحبت معها طارق في الباخرة : 
- مش قلت لك إني عمري ما خسرت .. هارد لك Hard luck أستاذ عبد الغني ! 
وجّه إليه عبد الغني لكمة قوية بعد هذه العبارة ، فردها إليه بعنف أشد ، وتوالت اللكمات من الطرفين  مصحوبة في الخلفية  بصوت الطائرات والمدافع والقنابل ، وكأن الضربات المتبادلة بينهما رمزٌ للصراع العسكري بين الطرفين . 
تتوقف اللكمات المتبادلة  بظهور " طارق " الذي يعود سابحا في الماء بعد القفز من سفينة  إيلات  تاركا غواية أمريكا  و  ليزا  ، مؤثرا العودة إلى أمه وأبيه ( رمز التاريخ المصري  ) ، والوفاء لأخيه الشهيد ( الذي تعمّد المخرج أن يجعله توأما له ) ، وتتسع المسافة الواقعة بين الطرفين المتضاربين  ( عبد الغني ويوسف الإsرائيلي ) ، وتأخذ في الاتساع  ، فتنتقل الكاميرا معهما من حدود اللقطة القريبة إلى المتوسطة إلى اللقطة العامة  ، وكأن المسافة هنا قطع للعلاقة  بين الشخصيتين ( على صعيد الفيلم ) وتأكيد لوجود مسافة كبيرة بين الطرفين ، على صعيد الواقع  ،مسافة من البغض والمقت والحنق والغضب ÷، لا يقوى أي شيء على التخفيف منها . يصحب هذا إلقاء ظلال حمراء على وجه الدكتور يوسف لإظهاره في هيئة شيطانية ، أو إشارة لاحتراقه النفسي بسبب فشل مخططه في السطو على المستقبل ( المتمثل في الشاب طارق شقيق الشهيد ) ، أو تآكله  في مستقبل الأيام . أما ظلُ الشهيد الذي تراءى لطارق  وأشعره بالخجل مما كان سيُقدمُ عليه من خيانة لتاريخه ( الذي رمز إليه والده ) وثأره ( الذي رمز إليه أخوه الشهيد )  ومجتمعه وروابطه ( التي رمزت إليها أمه ) فقد كان  سببا في حمايته ، ورجوعه سالما إلى كل هؤلاء  بما يحمل من رمزية للمستقبل  الذي يُخشى عليه من الوقوع في قبضة  العدو الإsرائيلي ،  تارك الشهيدُ  ظله ، إذن ، على بداية الأحداث ومنتهاها .

هناك كثيرٌ ممّا يقال حول الحكايات الفرعية في الفيلم ، لكني آثرتُ الوقوف عند جوهر الأحداث . وأتساءلُ – في نهاية هذه التأملات – حول ما إذا كان المخرجُ – أو المعالج الدرامي للقصة – قد تعمّد أن يجعل الدكتور يوسف الإsرائيلي في هيئة تدل على قوة البنيان والصحة الموفورة ، في الوقت الذي جاء فيه الأستاذ عبد الغني في هيئة متهالكة : شيب في الشعر ، انحناء خفيف في القامة ، وهن في المشية ؟ هل أراد أن يقول إن هزيمة 67 ، ودم الشهداء ، قد أثقلا كاهل هذا التاريخ  الذي رمز إليه بمدرس التاريخ ؟!
• الفيلم من إخراج إيهاب راضي . ومن المدهش أنه أول أفلامه . إنتاج إيهاب راضي عام 1999م 
• سيناريو وحوار الدكتور وفيق الصبان والكاتب فاروق عبد الخالق . 
• الموسيقى ميشيل المصري 

البوم الصور

News photo
News photo
News photo
News photo
News photo
News photo
News photo
News photo
News photo

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا