بقلم نشوة أبوالوفا "قدري" الفصل الثالث والختام نظرت لي في تيه غير مستوعبة،
بقلم نشوة أبوالوفا
"قدري"
الفصل الثالث والختام
نظرت لي في تيه غير مستوعبة،
فطلبت خالتي أن أكشف ظهري واقتربتُ من منيره التي أخذت تتحسس العلامة وما لبثت أن احتضنتني وهي تبكي وتقول: الحمد لله الحمد لله.
وقبل أن أنهل من حضن أمي وحنانها، فجأة وجدت طرقًا على الباب فعدلت ملابسي لتسمح خضرا للطارق بالدخول، لأجد أمامي رجلًا يرتدي الجلباب والعمة الصعيدية يبدو كبيرًا في السن تضايق من منظر بكاء أمي منيرة
وتساءل مقتضب الوجه: ماذا يحدث؟ لماذا تبكين؟
فأخبرتاه بالحقيقة
إنه عمي حمزة النجار فنظر إليّ متمعنًا في ملامحي
وقال: إنها حقًا تشبهك كثيرًا وأنت في سنها يا منيرة، لكن يجب أن نتأكد رسميًا هيا بنا يا فتاة.
وأمر بتجهيز السيارة، سافرنا لأحد المعامل الشهيرة بأحد المستشفيات الخاصة الكبرى وقمنا بعمل تحليل البصمة الوراثية، وعلمنا أن النتيجة ستظهر بعد يومين.
قال عمي: هناك كشف آخر، أتمنى أن لا تتضايقي، لكن من حقي أن أتأكد.
وذهب بي بصحبه أمي وخالتي إلى طبيبه النسائية، فهمت ما يريد ولم أعترض، مع أن ذلك جرح كرامتي، لكني أفهم أهمية الشرف جيدًا، وكانوا جميعًا في قمة الفرح عندما غادرنا الطبيبة التي أكدت لهم ما أرادوا.
عدنا أدراجنا، طوال طريق الذهاب والعودة أمي وخالتي كانتا تحتضناني، وعمي ينظر إليّ بين الحين والحين قائلًا: يا ليتك كنت معنا الآن يا عيسى.
وصلنا الڨيلا فقال عمي: يا نور تعالِ.
دخلنا الغرفة مع أمي وخالتي وطلب مني عمي أن أحكي لهم كل ما حدث معي،
وكل ما أتذكره ولا أخجل أبدًا من أي شيء، قصصت عليهم حياتي كلها بكل ما فيها من عيوب ونواقص، وزلات وعمليات سرقة واحتيال ونصب، وما كان من الكبيرة وضرغام معي.
احتضنني عمي وقال: أنا أحس بصدق حديثك، وأصدق أنكِ ابنه أخي عيسى رحمه الله، والآن أريدك أن تلقي عن كاهلك كل ما يثقله وتعتبري أنك ولدتِ من جديد ولا تخافي أبدًا أنتِ ابنه النجار.
نمت في أحضان أمي وخالتي التي نامت اليوم في الڨيلا مع أنها دائمًا كانت ترفض الإقامة معهم وتفضل الجلوس في ڨيلتها الصغيرة المحتوية على ذكرياتها مع زوجها ابن خالها، يا الله لم أنم أبدًا بهذا العمق والراحة والأمان، مزيج غريب من المشاعر كان يغلفني.
مر الوقت سريعًا بصحبتهم، في هذا الوقت كان الكل يتكهن من أنا؟ ومن أين
جئت؟ ليعلن عمي أنني نور بنت الحاج عيسى، وكانت كل من أمي وخالتي تنتظران طارق ابن عمي بفارغ الصبر لتخبراه عني، كان طارق في القاهرة عندما وصلت، يباشر أعمالًا لشركة العائلة وكانوا ينتظرون قدومه.
كنت في الحديقة مع أمي وخالتي لكن الخدم نادوا عليهما ليخبروهما أمرًا ما، فظللت وحيدة في الحديقة، جذبتني مشاتل الورود البلدي الحمراء ووقفت أشاهدها لحين مجيء أمي وخالتي.
حتى سمعت صوتًا رجوليًا خشنًا يتسائل
- من أنتِ؟
التفتت لأجد نفسي أمام رجل في غاية الوسامة ملامح رجولية مختلطة بوسامة
وجاذبية غير عادية، طويل القامة أسمر اللون والعينين والشعر، أحس أني رأيته قبل الآن.
رددت على سؤاله بسؤال: ومن أنت؟
أجابني مبتسمًا: أنتِ موجودة في بيتي، إذن أنا من يسأل وكرمًا مني سأجيبك، أنا طارق حمزة النجار.
في هذه اللحظة هبت نسمات هواء متلاحقة فطار غطاء الرأس؛ فصرخ طارق ممسكًا بيدي: إنها أنت أيتها اللصة!
وأخذ يهزني يمينًا ويسارًا قائلًا: كيف وصلت لهنا؟ ماذا تريدين؟
هنا ومضت ذاكرتي وتذكرته، إنه ذلك الوسيم الذي سرقته عند ماكينة الصراف الآلي
قلت: هل تريد نقودك؟
صرخ: النقود لا تهمني أيتها الرقطاء.
- بالتأكيد، فلم يكن ذلك المبلغ بالكبير، أنت يهمك أنك هزتك امرأة فأفقدتك تركيزك، أليس كذلك؟ (قلتها بدلال)
استشاط غضبًا: أيتها اللعينة.
كانت أمي وخالتي قد جاءتا تحملان بيديهما طبقًا من الحلوى فهما لم تكفا عن إطعامي منذ وصلت.
صاحت أمي به: طارق لماذا تمسك نور هكذا؟
أجابها متعجبًا: هل تعرفين هذه الساقطة؟!
أبعدتني من بين براثنه: تأدب، وإياك أن تهينها بكلمة واحدة.
صاح مادًا يده ليمسكني: أنت لا تعرفينها، إنها لصة!
صاحت أمي وخالتي في صوت واحد: اصمت واخفض صوتك.
ضيق من عينيه موجهًا نظراته النارية لي: لماذا؟ أي لعبة تلعبها عليكم وصدقتموها؟!
أجابته أمي باسمة: ستعرف كل شيء في حينه إنها أوامر والدك.
- حسنًا.
قالها غاضبًا ووجه كلامه لي: إياكِ أن تمدي يديك على أي شيء هنا، وإلا قطعتها لك.
قلت متحدية إياه: سأضع يدي وآخذ كل ما أريد ولن يقول لي أحد لماذا؟
وأخرجت له لساني
قالت خالتي غامزة لأمي: إنهما كالقط والفأر، هكذا تبدأ كل الحكايات.
تركنا طارق ودخل الڨيلا، أما أمي وخالتي استمرتا بالحديث عن طارق ومحاسنه وهما تغمزان لبعضهما.
مر الوقت وهل الصباح
استيقظت لأجد أني وحيدة في الغرفة، أين ذهبت أمي وخالتي؟
بدلت ملابسي وفتحت الباب ونزلت السلم لأجد طارق أمامي كان سيقول شيء ما لكن رن هاتف هذا الطارق وكل ما قاله: كما تأمر يا حاج.
ثم قال مخاطبًا أمي وخالتي اللتان ظهرتا أسفل السلم: هل لديكما علم بوليمة اليوم؟
- طبعًا يا ولدي، الذبائح تجهز منذ الفجر.
تساءل: ألا فكرة لديك أمي (مخاطبًا منيرة) عن سبب هذه الوليمة المفاجئة.
(لماذا هذا الفظ يقول لمنيرة أمي، إنها أمي أنا، وددت أن أخبره لكن آثرت الصمت احترامًا لأوامر عمي)
أجابته: ستعرف عندما يصل والدك.
عمي ذهب بنفسه لإحضار النتيجة، وهو في الطريق أصدر أوامره لطارق بجمع عائلة النجار كبيرًا وصغيرًا وبجمع كبار عائلات النجع والنجوع المجاورة وكل من له نسب مع عائلة النجار وبالطبع جاء الجميع فمن ذا الذي يرد كلمه حمزة النجار.
وصل عمي حمزة واحتضنني وقبلني من جبيني أمام طارق الذي فغر فاه اندهاشًا
- ماذا تفعل يا حاج؟
ابتسم حمزة: ما كان يجب فعله منذ وصلت هذه الغالية إلى هنا، طارق تعال معي للمكتب.
وأخبره عمي بمن أكون، خرج طارق من المكتب ترتسم على وجهه إمارات التعجب، ناظرًا لي كمن وجد كنزًا: إذن أنتِ نور!
- نعم أنا نور، وهذه أمي، وهذا عمي، وهذه خالتي.
قلتها وأنا احتضن كل منهم لأغيظه
ضحك على فعلتي، وقال طارق فاتحًا ذراعيه: وأنا.
يريد حضنًا هذا الطارق هو الآخر،
صاح عمي بضحك ضاربًا طارق على يده: تحشم يا طارق.
كان الضيوف قد بدأوا في الوصول رجالًا وإناثًا، تناول الحضور طعام الغداء وشربوا الشاي الصعيدي ثم اعتلى عمي شرفة الڨيلا
وقال: أهل نجع النجار، وأكابر البلد، بالطبع يتساءل الكل عن سبب هذه الوليمة المفاجئة، هذه الوليمة بمناسبه أننا وجدنا نور عيسى النجار أخيرًا وقبل أي تكهنات أو تساؤلات لقد تأكدنا من ذلك ومن الغد سنشرع في اجراءات استخراج أوراقها لنثبت نسبها لعائلتنا.
وطلب مني عمي الخروج للشرفة، وقال: ليعرف الجميع هذه هي نور عيسى النجار.
ظللت واقفة بجوار عمي والكل ينظرون لي ويتهامسون
إلى أن قام طارق والشرر يتطاير من عيناه وقال لي: ألا يكفي هذا العرض، ادخلي الآن.
فنظر لي عمي موافقًا فهرعت للداخل، استمر الاحتفال بوجودي طوال الليل،
الرجال بالخارج يستمعون للمادحين والمنشدين والنساء بالداخل يتسامرن وكلهن طبعًا يتهامسن عليّ، عرفتني أمي على سيدات العائلة وبناتها، ارتحت للبعض والبعض الآخر لم ارتح له خاصة تلك الفتاة المسماة بدرية، انتهى الاحتفال، ناداني عمي ونادى طارق وقال: تستيقظان باكرًا لننهي أوراق نور.
فأجبناه بالموافقة وصعد كل منا لمخدعه كنت أنام مع أمي بالطبع
فوجئت بعمي يصعد ورائي: إلى أين يا نور؟
- إلى غرفه أمي، لأنام.
قال مبتسمًا: لا، منذ الآن تنامين في تلك الغرفة.
وأشار للغرفة المقابلة: فيكفيني ما ابتعدته عن غرفتي.
نظرت له بإمارات من عدم الفهم فأخبرني أنه متزوج من أمي بعد وفاه أبي (أمي في خضم فرحتها بي وارتباكها لم تخبرني، فهمت الآن لم يناديها ذلك الطارق بأمي) فدخلت غرفتي ونمت.
في الصباح ذهبنا جميعًا لإنهاء الأوراق وسط إلحاح من أمي وخالتي للذهاب معنا، أنهينا المعاملات الرسمية وذهبنا لشراء ملابس لي، كان طارق ينهي بعض المعاملات وجاء ولما علم بمقصدنا اقترب مني قليلًا وقال بصوت جاد
- تحشمي في انتقاء الملابس.
فقلت له: وأنت ما دخلك بي؟ أمي وعمي فقط لهما الكلمة معي.
فظهرت ملامح الغضب على وجهه: لولا أننا في الشارع لكنت علمتك كيف يكون الحديث معي؟
سمع عمي حوارنا فقال بصوت مرتفع نسبيًا: طارق ليس الآن، اتركها.
أمي وخالتي لم تدعا شيئًا في المحلات لم تشترياه لي ولكن ما حيرني أنهما أيضا كانتا تشتريان اللانجيري الخاص بالعرائس ولما تساءلت قالتا: من أجل عرسك.
ضحكت ولم ألق بالًا لهما وانتقيت بالطبع أفضل الملابس، فلتفرحا بما تريدان.
استلم عمي بطاقتي الشخصية الجديدة، نور عيسى النجار
وذهبنا للبنك مع طارق بدون أمي وخالتي، منعهما عمي من مرافقتنا، فماذا تفعلان بالبنك؟
اكتشفت أن لدي ثروة هائلة بالبنك، وأن لدي نصيب في شركة كبيرة أيضًا، يديرها عمي وطارق، شركه مقاولات من أشهر الشركات على خط الصعيد كله،
باليوم التالي كان هناك افتتاح لمبني ضخم نفذته الشركة وطلب مني عمي أن أذهب معهم ارتديت حلة سوداء عملية وأطلقت خصلاتي الغجرية وراء ظهري
ونزلت لهم ما أن رآني طارق حتى صاح غاضبًا: إلى أين يا نور؟
قلت له ببرود: ذاهبة معكم.
- قررتِ بمفردك.
أجبته بضيق: لا، إنها أوامر عمي.
جاء عمي وما أن رآني حتى قال: ما شاء الله، كالبدر في ليلة تمامه.
- اصعدي وغيري تسريحه شعرك.
قالها لي طارق غاضبًا
- لا لن أفعل.
صاح هادرًا كالرعد: ماذا قلتِ؟ أعيديها لو تستطيعين.
- لا لن أفعل.
وركضت لأختبئ وراء عمي.
قال طارق غاضبًا: يا حاج لن أخرج معها هكذا، يكفي أنها ستأتي لتكون حديث الجميع، أتأتي هكذا مطلقه شعرها؟ لا هذا كثير عليّ يا حاج لا أحتمل..
ضحك عمي وطلب مني أن أجمع شعري فجمعته في ذيل حصان
لكن لم يعجب طارق وكان يسير متبرمًا اسمعه يخاطب عمي قائلًا: قلت لك اجعلها تتحجب.
- ليس الآن يا طارق صبرًا.
افتتحنا المشروع والتقط المصورون لنا العديد من الصور كنت خائفة،
لأني أعلم أن الصور ستنشر في الجرائد وخشيت أن يراها رجال ضرغام،
طمأنني عمي: أتخافين وأنتِ ابنه النجار؟!
عدنا للفيلا وذهبت للنوم فورًا فقد كنت منهكة القوي، في الصباح استدعاني عمي لمكتبه: نور أنت لم تتربي وسطنا ولا تعلمين عاداتنا لكن ستتعودين وتعلمين،
أنت وطارق مقدران لبعضكما من يوم ولادتك، هذه عاداتنا لم تغيرها الأيام ولن تغيرها، بنات النجار لأولاد النجار.
لم أعرف ماذا أقول؟ هل أعترض؟ وهل يحق لي الاعتراض من الأساس
لن أغضب عمي: كما تأمر يا عمي.
فأردف: طارق هو الذي يدير ممتلكاتك، وكما رأيتِ يديرها على أكمل وجه ولم يقصر أبدًا وهذا الحال سيستمر، أرباحك توضع في حسابك دائمًا، زواجك من طارق بعد شهرين، أستطيع أن أزوجكما منذ الغد، لكني أعطيكما فرصه لتتقاربا، وتعتادي قليلًا على طارق، سنعقد القران غدًا وإتمام الزفاف بعد شهرين.
ونادى على من بالفيلا وأعلن الخبر، وانطلقت الزغاريد والأعيرة النارية مصاحبة لدخول طارق الذي اقترب مني قائلًا: مبروك.
في مساء اليوم التالي عقد قراني على طارق بحضور أكابر النجع
بعد عقد القران، قبلني طارق من جبيني قبلة اهتز لها جسدي كله فأنا لم يقربني رجل من قبل أو حتى يقترب مني كنت دائمًا أمنيهم بالإقتراب ولا أدعهم يقتربون مني أبدًا.
بعد أن جلسنا سويًا لتناول عشاءنا احتفالًا بعقد قراننا قال لي طارق
: أصبحت الآن زوجتي يا نور، ما يفرحك يفرحني ما يسوئك يسوئني، لا تخافي أبدًا ولا تحملي للماضي همًا.
في الأيام التالية أخبرت طارق بكل ما يحمله الماضي، فلقد طلب عمي مني ذلك، راجعنا معًا كل من نصبت عليهم أو آذيتهم يومًا وكان طارق وعمي يصحباني لهم ورددنا لكل ذي حق حقه مع تحذير بالغ الشدة والخطورة من عمي بأن لا يتذكر حتى أحدهم اسمي وكأنهم لم يقابلوني يوما.
في أحد تلك اللقاءات كنا ذاهبين لمقابله شاكر الجزار أحد من نصبت عليهم، ولسوء حظه هو، رآني على باب الشركة وتوجه مسرعًا إليّ، ماسكا بيدي ليقبض عليّ، لم أشعر إلا بهذا الرجل وهو يطير مسافة لا بأس بها بفعل اللكمة التي تلقاها من طارق، عقابًا له على إمساك يدي، وطار مع طيران جسده عدد من أسنانه، ولكن طارق اعتذر له بعد ذلك وعوضه.
كنت سعيدة جدًا بغيرة طارق وحبه الذي يظهر يومًا بعد يوم.
أما أنا فارتديت الحجاب وعلمتني أمي الصلاة، فكنت لا أترك فرضًا ولا سُنه كنت أقرأ الكثير من القرآن داعيه الله أن يغفر لي، طارق كان طيبًا جدًا معي، مسرورًا من تغيري وطاعتي والتزامي.
لم أعرف أبدًا طعمًا للسعادة كما فعلت مع طارق، كان حنونًا لأبعد الحدود، نظراته لي كانت تحملني فوق السحاب، كنت أعد الأيام لأصبح زوجته وهو أيضًا حتى أنه طلب من عمي تعجيل موعد الزفاف.
فوافق عمي قائلًا: كنت أعلم أنك لن تصبر.
في الاحتفالات السابقة للزفاف علمت لما كانت بدرية لا تطيقني، بدريه كانت تحب طارق، والكل كان يري ذلك في تصرفاتها وعندما تأكدت من زواجنا الذي سيتم لا محاله، مرضت لفترة ثم أعلن والدها خبر تزويجها، ما دام فقد الأمل في زواجها من طارق، كان عُرسها قبل أسبوع من عُرسنا.
تزينت وارتديت فستان سواريه تحت الملس، فستان أحمر مخملي يصف جسدي جيدًا فانبهرت بي النساء جميعهن ورقصت احتفالًا بالعروس التي كانت تتمني موتي، حتى تحدثت النساء كلها عن مدى حظ طارق بي، وغادرت مبكرًا مع أمي، ولحقنا طارق وعمي، لأجد طارق يتطاير من عينيه الشرر وغاضبًا جدًا، فلقد سلمت عليه أم بدرية وتمنت له السعادة مع القاهرية التي ترقص أحسن من راقصات البندر.
كنت لم أبدل ملابسي بعد، تسمر طارق أمامي عندما رآني بالفستان لكنه تمالك نفسه وقال وهو يعض على أسنانه: أقسم بالله إن كررتها ورقصت في أي تجمع نسائي مرة أخرى، فستنالين عقابًا لا تعرفين مداه يا نور، تحشمي، هذا ما كان ينقصني أتزوج راقصة.
نهره عمي: تأدب يا ولد.
فاعتذر طارق كاتمًا غضبه وتركنا وغادر
أمي كانت تضحك وتقول: يغار عليكِ.
بعد قليل طلب حضوري في الحديقة
نزلت للحديقة متصنعة الضيق: ماذا تريد من الراقصة؟
ابتسم مقتربًا مني: هل ما زلت غاضبة؟ أنا آسف لكن لم أحتمل يا نور، أغار عليك من نفسي، عديني أنك لن ترقصي أبدًا إلا أمامي، لي وحدي وأنتِ بين ذراعي.
وأحاطني بذراعيه واقترب من شفتي وكاد يقبلني
فابتعدت عنه وأنا أضحك، مع أني كنت أتقد شوقًا له، لكن أردت أن ألقنه درسًا
وقلت: لا ليس قبل الزفاف.
فقال متبرمًا: حسنًا لن تفلتي مني.
وركض خلفي ونحن نضحك
فقابلنا عمي الذي قطب حاجبيه قائلًا: تحشما.
وانصرف كل منا لغرفته.
استمرت مراسم العرس أسبوع، تقام الولائم ويرقص الخيل وتجتمع النسوة، بالطبع رفضت الرقص مرة أخرى.
طبعًا أمي كانت تضحك وتخبرهم برفض طارق قائلة: إنه يغار عليها حتى من النسوة.
قبل الزفاف بيومين جاءت مستكة تخبرنا أن هناك منتقبه بالأسفل تريد مقابلتي
نزلنا فوجدت صوتًا مألوفا لدي يقول: أريدك في أمر هام.
ونزعت النقاب فوجدتها سناء
ففزعت في البداية، احتضنتني ثم قالت: لا وقت للأحضان، ضرغام حي يرزق وعلم بمكانك، ومصمم على أخذك من هنا، وإلا سيقتلك، لقد استطعت الهرب بمعجزة لأخبرك لكي تأخذي حذرك.
دخل طارق علينا وأخبرته فقال: ولماذا لا تكون هذه الفتاه شريكة معه، وتعاونه؟ قالها بطريقه يُحقر فيها من سناء
قلت له: لا يا طارق، أنت تعلم قصتي أنا كاملة، لكن لا تعرف قصه سناء، أنا أؤكد لك صدقها.
فرد مجبرًا: حسنًا، لتبق سناء لدينا ضيفة معززة مكرمة وأتمنى يا آنسه سناء..
قاطعته سناء قائلة: مدام من فضلك.
فرد متأففًا: حسنًا يا مدام سناء، أتمنى ألا يصدر منك أي فعل يسيء إلينا، فأنتِ في ضيافتنا محسوبة علينا.
ردت بامتنان: لا تحمل همًا، أنا لا يمكن أبدًا أن أؤذي وردة، أقصد نور.
حل يوم الزفاف، ارتديت فستان زفافي، مذكرتي الغالية، اليوم سأزف لمن سكن القلب، مع أنها كانت مدة قصيرة، إلا أنني أشعر حقًا أني قُدرت له، إن روحي تكتمل فقط حين أكون بجواره...
إلى هنا انتهت مذكرات حبيبة القلب ونور حياتي
الباقي أتذكره أنا جيدًا وكيف لي أن أنساه
احتفلت نور مع النساء إلى أن دخلت لأصحبها لجناحنا وما أن رأيتها حتى تسمرت مكاني، الفستان مكشوف من الصدر على شكل قلب ملتصق بجسدها ينحته نحتًا منفوش من الأسفل كأنها حورية، شعرها رفعته قليلًا يحتله تاج ماسي وكأنها ملكة متوجة، أمسكت يديها وقبلتها من رأسها وحملتها صاعدًا بها لجناحنا، أنزلتها بالجناح، وأغلقت الباب مقتربًا منها راسمًا ابتسامة على وجهي
: لم يعد هناك من مهرب مني يا نوري.
فجأة سمعنا أصوات إطلاق نيران عنيفة متتالية ويرد عليها ليست كأصوات الاحتفالات التي اعتدت عليها، لأجد صوت لم أعرفه ولكن نور فزعت لسماعه
وتبدلت ملامحها، كان الصوت يصيح
- وردة أين أنت يا وردتي؟
ارتعدت نور: إنه ضرغام!
أمرتها بعدم الخروج ونزلت مسرعًا لكن لم تستطع أن تبقى أو تنتظر،
هبطت الدرج ورائي، فور أن رآها ضرغام صاح: عروسي الهاربة، تعود إليّ بفستان زفافها؟
وقال مادًا يده: هيا بنا لنذهب من هنا.
صحت أنا: على جثتي.
هتف ضرغام: إذن فليكن.
وصوب سلاحه نحوي، فوقفت نور حائلًا بيننا لتصيبها الرصاصة فداء لي،
اشتعلت غضبًا واستللت رشاشًا من أحد الرجال وأفرغته في صدر ضرغام والتفت لنور قائلًا: قتلته يا نور، ارتاحي الآن، لا تخافي.
وانحنيت عليها أضمها بين ذراعاي.
قالت بوهن: يبدو أنها النهاية يا طارق وهذه أفضل نهاية.
كانت الدموع تتساقط من عيناي: اصمدي قليلًا حتى نذهب للمستشفى.
التصقت بحضني: لا وقت لدي يا طارق، فقط أمسك بيدي اجعلني بين ذراعيك، ضمني، دعني أسمع نبضات قلبك، أحس بالبرد ضمني يا طارق.
ضممتها بقوة وقلبي يتمزق ألمًا ومن حولنا أمي منيرة وخالتها وسناء وأبي إنهم كل من تحب، جالت نور بيننا ببصرها وعينيها تحمل نظرة الوداع وقالت بصوت خرج ضعيفًا:
- يا الله أشكرك، لم أكن لأتمنى نهاية أفضل، وسط أهلي وبين ذراعي حبيبي، يا الله اقبل توبتي واغفر لي خطاياي ونطقت الشهادة.
وأغمضت نور عيناها للأبد
تمت بحمد الله
#نشوة_أبوالوفا
#nashwa_aboalwafa
التعليقات الأخيرة