• مصر
  • الثلاثاء، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 04:43:26 PM
news-details
مقالات

المواطنة الرقمية في ظل الدستور المصري نحو مفهوم دستوري للهوية الإلكترونية

المواطنة الرقمية في ظل الدستور المصري نحو مفهوم دستوري للهوية الإلكترونية


بقلم الدكتور :احمد صفوت السنباطي بمحكمة النقض 

يشهد العالم تحولات غير مسبوقة بفعل الثورة الرقمية، التي لم تقتصر آثارها على الجوانب التقنية والاقتصادية فقط، بل امتدت لتغير في عمق العلاقة بين المواطن والدولة، وتعيد صياغة مفاهيم قانونية تقليدية مثل الهوية والمواطنة والانتماء.
في هذا السياق، يبرز مصطلح "المواطنة الرقمية" كمفهوم جديد يُعبر عن حقوق وواجبات الأفراد داخل الفضاء الإلكتروني، باعتبارهم جزءًا من كيان مجتمعي رقمي موازٍ للواقع التقليدي.
وتشمل هذه المواطنة القدرة على استخدام الإنترنت والتكنولوجيا للمشاركة السياسية، والحصول على الخدمات العامة، والتعبير عن الرأي، وحماية الخصوصية، وكذلك الالتزام بسلوك مسؤول في الفضاء الرقمي وفي الوقت الذي تخطو فيه مصر خطوات متقدمة نحو التحول الرقمي الشامل في مؤسسات الدولة، تظل الإشكالية الكبرى كامنة في أن الدستور المصري لا يزال يتعامل مع المواطن من منظور تقليدي قائم على الحضور الفيزيائي والهوية الورقية، دون الاعتراف الكامل بالهوية الرقمية أو بحقوق المواطن في العالم الإلكتروني.
وعلى الرغم من أن الدستور المصري الصادر في 2014 وتعديلاته قد تضمن بعض الإشارات المتعلقة بالتكنولوجيا، مثل النص على محاربة الأمية الرقمية، وحماية الأمن السيبراني، وحق المواطن في الحصول على البيانات والمعلومات، فإن هذه النصوص لا تشكل منظومة متكاملة تعترف بالمواطنة الرقمية كحق دستوري مستقل، ولا تنص على وجود هوية إلكترونية معترف بها قانونًا تتيح للفرد أن يمارس دوره كمواطن في العالم الرقمي كما يمارسه في الواقع.
الهوية الإلكترونية هي المكون الأساسي الذي يجعل من المواطنة الرقمية أمرًا واقعيًا وفعّالًا، فهي تمثل الوسيلة التي يمكن من خلالها التعرف على الشخص رقميًا، والتحقق من صفته، ومن ثم تمكينه من التصويت الإلكتروني، أو التوقيع الرقمي، أو التفاعل مع مؤسسات الدولة بأمان ومصداقية.
وفي غياب الاعتراف الدستوري بهذه الهوية، يظل المواطن عاجزًا عن ممارسة حقوقه الرقمية الكاملة، كما تبقى العلاقة القانونية بينه وبين الدولة في الفضاء الإلكتروني علاقة ناقصة أو مشوشة.
إن الاتجاه العالمي اليوم يتجه نحو دمج المواطنة الرقمية في الإطار الدستوري، باعتبارها ضرورة لمواكبة التطور المجتمعي والتكنولوجي، وضمان التوازن بين الحقوق والواجبات في العصر الرقمي وبالنظر إلى ما تطمح إليه الدولة المصرية من رقمنه شاملة للقطاعات الحكومية، وتعزيز الشفافية، وتطوير أدوات المشاركة السياسية، يصبح من الضروري أن يُعاد النظر في نصوص الدستور لتتضمن مفهومًا واضحًا للمواطنة الرقمية.
ويمكن أن يتم ذلك من خلال إضافة مادة دستورية جديدة تعترف بالهوية الإلكترونية لكل مواطن، وتكفل له الحق في المشاركة في الحياة العامة عبر الوسائل الرقمية، مع ضمان حماية بياناته وخصوصيته. هذا الاعتراف لا يمثل فقط تطويرًا قانونيًا، بل هو أيضًا اعتراف بواقع جديد بات يفرض نفسه على حياة الأفراد والمؤسسات. فالمواطن المصري لم يعد ينتظر في طوابير مكاتب الخدمات، بل يتعامل يوميًا مع الحكومة من خلال بوابات إلكترونية، ويعبر عن رأيه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ويطالب بحقوقه عبر الإنترنت.
ومن ثم فإن الاعتراف الدستوري بالمواطنة الرقمية يعني منح الشرعية لهذه الممارسات، وضمان ألا يكون الفضاء الرقمي منطقة رمادية خارج مظلة الحقوق القانونية والدستورية المواطنة الرقمية ليست مجرد امتداد رقمي للمواطنة التقليدية، بل هي نمط جديد من العلاقة بين الفرد والدولة، يعكس تحوّل المجتمع نحو الاعتماد الكامل على التكنولوجيا، ويؤسس لمرحلة جديدة من التفاعل السياسي والقانوني والاجتماعي.
ومن هنا، فإن الدستور المصري، وهو الوثيقة القانونية الأعلى، يجب أن يستوعب هذه التحولات، ويواكبها بنصوص واضحة تضمن للمواطن المصري كامل حقوقه، سواء في الواقع المادي أو في الفضاء الإلكتروني، بما يعزز من فكرة العدالة الرقمية والمساواة في الوصول إلى الخدمات والمعلومات والفرص.

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا