• مصر
  • الثلاثاء، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 12:02:42 PM
news-details
حوار

حوار صحفي مع الأب يسطس الأورشليمي حول الآثار المسيحية في واحة سيوة

حوار صحفي مع الأب يسطس الأورشليمي حول الآثار المسيحية في واحة سيوة

كتبت/منى منصور السيد

 أبانا الفاضل، الأب يسطس الأورشليمي، سعداء جدًا باستضافتك اليوم للحديث عن موضوع يثير فضول الكثيرين: الآثار المسيحية في واحة سيوة. لقد ذكرتم في مقالكم أن البحث عن هذه الآثار لم يُكلل بالنجاح الكامل. لماذا؟ وما هي أبرز الصعوبات التي واجهتكم؟

الأب يسطس الأورشليمي: بركة الرب معكم. في الواقع، واجهنا صعوبات كبيرة. سيوة، بتضاريسها الرملية وتقلبات تاريخها، تحتفظ بالكثير من أسرارها تحت الرمال. التقليد السيوى يذكر وجود "بلدة الروم" كمنطقة سكن للمسيحيين، ووجود مكان يُعرف بـ "الكنيسة" حتى الآن. لكن، ورغم وجود هذا المكان، لا توجد فيه إشارة مسيحية واضحة. ما تم العثور عليه هو مجرد قطعة حجرية عليها ما يُعتقد أنه صليب، بالإضافة إلى مقابر يُرجح أنها استُخدمت ككنائس. الأمر يتطلب المزيد من الحفر والبحث المتخصص.

 تتحدثون عن سيوة كواحة "هبة عيونها"، وتصفونها بأنها "تغلفها غلالات من القصص والأساطير". هل يمكن أن تخبرنا عن بعض هذه القصص التي تحمل دلالات تاريخية عميقة، مثل قصة قمبيز والإسكندر الأكبر؟

الأب يسطس الأورشليمي: سيوة بالفعل أرض مباركة بعيونها. أما قصصها، فهي تزيدها عراقة. قصة قمبيز هي درس في الغطرسة. بعد أن تنبأ كهنة آمون بسقوطه، أرسل قمبيز جيشًا ضخمًا قوامه 50 ألف جندي لتدمير المعبد وقتل الكهنة. لكن القدر كان له كلمة أخرى؛ عاصفة رملية شديدة ابتلعت الجيش بأكمله في الصحراء، ولم يُعثر له على أثر. أما قصة الإسكندر الأكبر، فهي تختلف تمامًا. لقد زار الإسكندر سيوة عام 331 ق.م طلبًا للنبوءة، وخلال رحلته واجه صعوبات كادت تنهي الرحلة، لكن العناية الإلهية كانت معه. أرسلت له مطرًا غزيرًا في منطقة نادرة المطر، وظهر له طائران أرشداه للطريق بعد أن ضلوا. وعندما وصل إلى سيوة، استقبله الكهنة بحفاوة، ودخل المعبد ليتلقى النبوءة التي احتفظ بها كسرٍ حتى وفاته.

 ذكرتم في حديثكم أن قصر الروم كان يضم كنيسة كبيرة ومقابر للأساقفة. ما الذي نعرفه عن هذه الحقبة المسيحية في سيوة؟

الأب يسطس الأورشليمي: قصر الروم هو موقع أثري هام غرب مدينة سيوة. التقاليد القديمة تقول إنه كان يضم كنيسة كبيرة ومقابر لأساقفة وكهنة. ما يؤسف له حقًا أن هناك روايات عن قيام السكان المحليين بحرق العديد من الكتب والمخطوطات الأثرية بعد الفتح الإسلامي للمنطقة، مما ضيع علينا كنوزًا تاريخية ثمينة. لكن بعض الأدلة بقيت، مثل كتاب "دليل الأديرة" الذي يشير إلى وجود أطلال كنيسة بها صليب قبطي منقوش على حجر.

ا تحدثتم عن سيوة كمركز مسيحي هام منذ القرون الأولى، وعن العثور على شواهد قبور مسيحية. هل يعني هذا أن سيوة كانت مركزًا للإيمان المسيحي؟

الأب يسطس الأورشليمي: نعم. سيوة، أو "أمون" كما كانت تُعرف قديمًا، كانت موطنًا لعدد كبير من المسيحيين منذ فجر المسيحية في القرن الأول الميلادي. الأب شينو أشار إلى وجود كنيسة كبرى لها أسقفها، وإن كانت خرائبها قد غُطيت بالرمال. وما يؤكد ذلك هو العثور على شاهد قبر باللغة القبطية في المتحف القبطي بالقاهرة، يذكر أسماء كهنة مثل "الأنبا بولس" و"الأنبا ألكسندروس". هذه الشواهد هي أدلة ملموسة على أن سيوة لم تكن مجرد محطة عابرة، بل كانت عامرة بالمسيحيين والآباء السواح.

 في ختام المقال، تتحدثون عن حادثة هامة في تاريخ الكنيسة، وهي نفي الأساقفة إلى سيوة في عهد القديس أثناسيوس الرسولي. ما هي أهمية هذه الحادثة بالنسبة لسيوة؟

الأب يسطس الأورشليمي: هذه الحادثة تكشف لنا عن أهمية سيوة كمنطقة آمنة، حتى وإن كانت صحراوية. في عام 356 م، وبعد هجوم الأريوسيين على الكنيسة، تم نفي العديد من الأساقفة الأرثوذكس. من بين هؤلاء، تم إرسال ستة آباء أساقفة إلى "أمونيا"، أي سيوة، ومنهم مويس ونيلامون. لقد نُفوا في ظروف قاسية، وكان بعضهم من كبار السن والمرضى، لدرجة أنهم حملوا معهم أكفانهم. مات أحدهم في الطريق، لكن الباقين وصلوا إلى سيوة، وقضوا سنوات في الصلاة والقداسات والتعليم، حتى انتقلوا جميعًا هناك. وجود هؤلاء الآباء الأطهار في سيوة هو شهادة حية على إيمانها، وبركة عظيمة أضافت بعدًا روحيًا عميقًا لتاريخ هذه الواحة.

 أبانا الفاضل، شكرًا جزيلًا لك على هذا الحوار الثري والمعلومات القيمة. هل هناك كلمة أخيرة تود أن تقولها لقرائنا؟

الأب يسطس الأورشليمي: الشكر لله دائمًا. سيوة ليست مجرد واحة خضراء؛ إنها أرض مباركة، تحمل في رمالها ووديانها صفحات من تاريخ عظيم. أتمنى أن يُلهم هذا الحديث المزيد من الباحثين لاستكشاف كنوزها المخفية، لتكتمل الصورة الروحية والتاريخية لهذه الواحة العظيمة.

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا