لم يأمرك الله بالعبادة ليحرمك من شهواتك
لم يأمرك الله بالعبادة ليحرمك من شهواتك
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإن خير الكلام كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد كم مرة سألنا أنفسنا لماذا خلقنا ؟ ولماذا خلقنا الله على هذه الأرض ؟ هل خلقنا لنتمتع بالشهوات وغرائزها وطعامها وشرابها وزينتها وزخرفها وهل خلقنا لنقضيها كما يقضيها أي مخلوق جماد أو غيره؟ وهل خلقنا لنقضي أيامها بأي شيء منتظرين الموت والتراب ثم ينتهي كل شيء لماذا خلقنا؟ إنه سؤال ربما نعيد في التأمل فيه كثيرا من حساباتنا وكل حساباتنا الدنيوية منها والأخروية.
فأراك تعرف الجواب على السؤال أو تنتظره، اسمع حفظك الله الجواب الذي تكفل الله تعالى ببيانه في قوله تعالي " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فقط ليعبدوه فحسب ولا شيء آخر، لا تستثقل هذه الغاية على عاتقك، فإن الإنسان يميل بطبعه إلى المتع، وتهفو نفسه إلى الدعة والراحة، ويشتاق بتكوينه إلى ما يرضي دنياه هكذا خلق الإنسان عجولا تغره الثمار القريبة ولو كانت فانية حتى تشغله عن الباقية لأنها بعيدة لكن الإسلام أيها الأحبة لم يأمر بالعبادة ليحجزك عن متعك، ولم يأمرك بالعبادة ليحرمك من شهواتك ولم يأمرك بالعبادة لينغص عليك حياتك كلا بل أمرك بالعبادة لتعيش بها هانئا سعيدا مرتاح البال والضمير، أرأيت كيف كانت العبادة راحة للنبي صلى الله عليه وسلم فهو الذي إذا تعب ونصب قال "أرحنا بالصلاة يا بلال" رواه أحمد.
أرأيت كيف يلجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة حينما تشتد عليه الكروب وتزيد عليه الهموم، بل تأمل كيف كانت العبادة سلوته في أشد الخطوب خطورة، وهل تأملت في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ؟ إن من بينهم شاب نشأ في عبادة ربه فاستحق يوم تنكب الشمس على الخلائق فتلجمهم في عرقهم أن يحظى صاحب العبادة بظل مميز، إنه ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، فكم للعبادة من حلاوة في قلب المؤمن يجد فيها راحته وسلوته وكم لها من طمأنينة يجد فيها المهموم أنسه وبرد فؤاده "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" إنها تطمئن حتى لا تشعر بغم وتطمئن حتى لا تحس بهم وتطمئن حتى تشعر بأن مصائب الدنيا مهما بلغت عظمتها فإنه هينة أمام ذكر الله وسهلة أمام قدرة الله تعالي فهي لا تستحق منك أن تغرق نفسك في حزن من أجلها ما دمت مع الله.
تعبده فترضى بقضائه وقدره وتعبده لتعلم أنك بعبادتك لن يضيع صبرك ولن ينسى إيمانك، ولا تستغرب حينما أقول لك بأننا كما نستلذ بالطعام والشراب أن هناك من عباد الله من يستلذ بمناجاة ربه، وبالصدقة في وجوه الخير، وبالإحسان إلى الناس والتخلق بأحسن الأخلاق وبكل أنواع العبادة وأشكالها المشروعة، إنه يستلذ ويحس بطعم الحلاوة الإيمانية يسري في جوانحه، إنه ربما أجهد بدنه وترك الدنيا من خلفه وزهد في مناصبها ومتعها في سبيل أن يتذوق طعم العبادة لربه، وقيل للحسن البصري ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها ؟ قال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره، وقال سفيان ترى صاحب قيام الليل منكسر الطرف فرح القلب، فاللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها معادنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا.
التعليقات الأخيرة