: القرية الملعونة.
قصة قصيرة
: القرية الملعونة.
... وهو يسير بسيارته الفارهة، من آخر ما أبدعت التكنولوجيا في اختراعه، ولما وصل إلى قرية، توقفت سيارته فجأة كأن بها عطلا ميكانيكيا، خرج من السيارة وفتح غطاء المحرك ليتفقده فلم يجد شيئا، ولم يلاحظ أيّ تغيير يمكن أن يكون السبب في العُطل، استغفر الله وحوقل واسترجع، ثم عاد للسيارة وأدار مفتاح التشغيل مرة أخرى، فدار المحرك بصورة عادية، ثم عَشّقَ السرعة الأولى، لكنه فوجئ بالسيارة تُقلع إلى الخلف، وجميع السُّرعات الأخرى كلها إلى الخلف، كأن جِنًّا قد سكن علبة السرعات، استرجع مرة أخرى وحوقل وكَبَّرَ وقرأ آية الكرسي والآيات الأولى من سورة يس، ثم الإخلاص والمعوذتين، ولكن لا شيء نافع في الحال التي هو فيها، بقي حائرا مبهوتا يضرب أخماسا لأسداس لا يدري ما يجب عليه فعله..
بعد برهة من الزمن قصد شيخ القرية وإمام مسجدها، إذ قَدَّرَ أن قوة خارقة كالعين الحاسدة أو النفس الشريرة أصابت سيارته، شرح مُصابه لإمام القرية وشيخها وطلب معونته ومساعدته، فتنهد الشيخ عميقا وحوقل ونطق الشهادتين وقال له: إن ما أصاب سيارتك يا ولدي أمر ميؤوس منه، فأنت في قرية الملاعين من المغضوب عليهم والضّالّين، وسيارتك وهي في هذه القرية مُحال أن تسير مرة أخرى إلى الأمام، عليك باستدعاء سيارة تصليح وحملها من هذا المكان وإخراجها منه، وفور الخروج من هنا ستعود سيارتك كما كانت من سابق عهدها..
وهما يتحدثان يمر بهما الناس بين الفينة والأخرى، ولا يُحَيُّون أو يُلقون السلام، ولكنهم ينهقون كالحمير ويشحجون كالبغال، وبعضهم يخورون كالبقر، وبعضهم الآخر يصيحون كالعنز، وآخرون ينبحون كالكلاب، حتى صغارهم على نفس الخُلُق والطريقة..، فهاله مارأى واستغرب كثيرا لهذه الأمور وخاف وارتعب، فهدّأَ الشيخ من روعه وقال له: عليك بما قلته لك وأسرع قبل فوات الأوان، فلا أمان لك حتى على نفسك من أن يُصيبك أذى أو مكروه أو شيءٌ ما..
ثم إن الشيخ نفسه أخذ في النهيق تارة كالحمير، وفي الشحيج كالبغال تارة أخرى، فأطلق سيقانه للريح فارّا بجلده من هذه القرية الملعونة، وهو ينهق مثل الحمار ويشحج كالبغل، ولم يعد إلى وعيه ورُشده إلا لما خرج وابتعد عن هذه القرية..
بقلم: عبد الكريم علمي
الجمهورية الجزائرية
التعليقات الأخيرة