• مصر
  • الثلاثاء، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 01:15:07 AM
news-details
مقالات

ألقاب دبلوماسية وفساد مُستشرٍ: حين تُصبح المناصب غطاءً لإهدار مقدرات العراق

ألقاب دبلوماسية وفساد مُستشرٍ: حين تُصبح المناصب غطاءً لإهدار مقدرات العراق


بقلم/عدنان صگر الخليفه 

إن التناقض الصارخ بين المكاسب الدبلوماسية الشَّرَفية التي تحظى بها الحكومات العراقية المُتعاقبة، وبين الواقع المُتردِّي والمأزوم للبلاد، هو المحور الرئيس الذي يثير التساؤل الحقيقي حول جدوى العمل الحكومي. فبينما يفوز العراق برئاسة اللجنة الفنية للسياحة في جامعة الدول العربية، أو يتبوأ مناصب قيادية في ملفات كالحج والنقل واتحادات الصحافة، فإن هذا الفوز لم يُترجم إلى أي منفعة تُذكر للمواطن أو الخزينة العامة. إن هذه الألقاب الدارئة للفساد ليست اعترافاً بكفاءة حقيقية، بل هي جزء من دبلوماسية التلميع والصفقات التي تُغطي على انهيار شامل ومُتعمَّد في كل مفاصل الدولة. فكيف يمكن لدولة تُصنَّف عالمياً في أعلى مراتب الفساد المالي والإداري، وتفشل في تأمين شريان الحياة (المياه) لتهديد وجودها الزراعي والحضاري، أن تكون رائدة أو مؤهلة لقيادة دول أخرى؟ إن الإخفاق في هذا الملف الوجودي، بالإضافة إلى تدمير القطاع الصناعي وتحويل وزارة الصناعة إلى مجرد "لافتة"، وهدر الإرث الزراعي الضخم بعد عام 2003 ليصبح العراق بلداً متصحراً، يُثبت أن الإخفاق ليس قَدَراً محتوماً بل فشل سياسي ممنهج. يضاف إلى ذلك الفساد الملياري الذي استنزف المشاريع التنموية الكبرى، بدءاً من مشاريع الكهرباء المتعثرة، حيث تستمر الحكومات في توقيع العقود المتتالية والمليارية مع شركتي جنرال إلكتريك (GE) وسيمنس (Siemens) دون أن يشهد قطاع الطاقة استقراراً حقيقياً، مروراً بـعقود الإسكان الفاسدة التي خدمت النخبة على حساب المحتاجين، وفشل مشروع التنمية (الطريق الجاف) الذي رُصدت له أموال ضخمة وذهب ضحية شبكات فساد، وكذلك العقود التي أبرمها رئيس الوزراء الحالي في بريطانيا، والتي ضُخمت إعلامياً بوعود التعاون لكنها لم تُسفر عن أي نتائج ملموسة حتى الآن. وفي مثال صارخ آخر على هذا الهدر المُستدام، نجد ميناء الفاو الكبير، الذي تعاقبت الحكومات على الحديث عن إنجازه، وحينما تم "افتتاحه" مؤخراً لم يأتِ بأي عائد حقيقي أو انفتاح اقتصادي على الدولة، بل بقي مجرد منشأة غير مكتملة دون جدوى اقتصادية تُذكر. إن كل هذه الإخفاقات توضح أن الهدف من الفوز بالمناصب الدبلوماسية لم يكن تحقيق المصلحة الوطنية، بل توفير غطاء سياسي خارجي، وذريعة قانونية لـصرف الأموال الطائلة على تنظيم مؤتمرات وتجمعات لا تُقدم أي عائد يُذكر، بينما تذهب ميزانياتها إلى تمويل شبكات الفساد. وبذلك، تتحول المناصب الدبلوماسية إلى أداة في يد النخبة لـتلميع صورتها محلياً ودولياً، وللإيهام بأن الحكومة تعمل وتُنجز، في الوقت الذي يتم فيه هدر مقدرات الشعب واستنزاف الخزينة العامة على أساس "الجداول والأوراق" الخالية من أي وجود حقيقي على أرض الواقع، مؤكدة أن الأولوية الحقيقية ليست لبناء الوطن وإنما لاستدامة الفساد. وكما يقول المثل: "قالوا يا أم عمران صلي، قالت: أين القبلة؟"، فالحكومات العراقية تتجنب واجبها الأساسي (الإصلاح والبناء) وتنشغل بالبحث عن ألقاب وذرائع تخدم بقاءها.

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا