• مصر
  • الأربعاء، ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 04:24:29 AM
news-details
مقالات

العراق ما بعد 2003: ديمقراطية الشكل واستبداد المضمون

العراق ما بعد 2003: ديمقراطية الشكل واستبداد المضمون


بقلم/عدنان صگر الخليفه 

إن الحديث عن التجربة السياسية العراقية بعد عام 2003 يتطلب شجاعة في تجاوز الشعارات الرنانة والوصول إلى حقائق الواقع المؤلمة. فالمسار الذي رسمته سلسلة من الدورات الانتخابية المتتالية لم يفضِ إلى بناء دولة المؤسسات التي وعدت بها القوى السياسية، بل رسّخ نظاماً مشوهاً بات يهدد وجود الدولة نفسها.
ما يُطلق عليه في العراق "العملية الديمقراطية" ليس سوى واجهة إجرائية تخفي تحتها منظومة "استبداد توافقي" متعدد الأطراف. إن الانتخابات، التي كان يُفترض أن تكون أداة للتداول السلمي للسلطة، قد تحولت بفعل قانون سانت ليغو والمحاصصة إلى مجرد آلية لإعادة تدوير النخب المهيمنة، حيث تتفق الكتل الكبيرة على تقاسم الحصص والمناصب، وتضمن لنفسها شرعية مستمرة للبقاء في سدة الحكم.
الدليل الأبرز على هذا الخلل البنيوي هو التدهور المُمنهج في حياة المواطن. فرغم المليارات التي جنتها البلاد من ثرواتها النفطية، انهارت البنى التحتية بشكل غير مسبوق في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه. إن الحكومات المتعاقبة التي أنتجتها هذه الانتخابات المزعومة، قد أثبتت فشلاً ذريعاً في الإنجاز، وهو فشل تجاوز في تأثيره السلبي مراحل الاستبداد السابق، الذي حافظ على مؤسسات الدولة وبناها التحتية على الأقل، رغم ظروف الحصار والحروب. إن هذا الخراب ليس نتيجة سوء حظ، بل هو نتيجة مباشرة لـ سياسة المحاصصة التي جعلت من الولاء الحزبي معياراً للتعيين بدلاً من الكفاءة، وحوّلت الوظائف العامة إلى غنائم تتقاسمها الكيانات السياسية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالحريات التي قيل إنها المكتسب الأهم بعد التغيير، جرى تكميمها وقمعها على الأرض. لقد تم إغلاق مسار التغيير الشعبي بقمع التظاهرات المطلبية والاحتجاجات السلمية، كما تم تحييد النقد المهني والبناء عبر ملاحقة الإعلاميين والناشطين بالدعاوى الكيدية. وتحوّل غالبية الإعلام إلى أبواق تابعة لجهات سياسية، ليغيب الصوت المستقل وينتفي وجود رأي عام وطني موحد.
هنا يبرز التساؤل الجوهري: ما الداعي من إجراء هذه الانتخابات التي تفضي إلى هكذا خراب؟
إن الإجابة تكمن في الدور الذي يلعبه المجتمع الدولي والإقليمي. إن الشرعية التي تُمنح لهذه الكتل الحاكمة ليست مجانية؛ بل هي مقايضة صريحة تخدم مصالح تلك القوى الخارجية. لقد تحول العراق وشعبه إلى "بقرة حلوب" تُستنزف مواردها وتُنهب ثرواتها من خلال صفقات الفساد التي تمررها الحكومات الضعيفة، مقابل استمرار الدعم الدولي والاعتراف بـ "الشرعية الزائفة". علاوة على ذلك، فإن النظام الهش القائم يخدم هدفاً جيوسياسياً أوسع، حيث أصبح العراق "العصا" التي تلوّح بها القوى العظمى والإقليمية لتهديد خصومها وإدارة الصراعات بالوكالة في المنطقة.
لذلك، يجب أن تكون الرسالة واضحة للمجتمع الدولي والعالمي: إن التبجح بالديمقراطية والشرعية في العراق هو ترويج لـ "كذبة كبرى". إن هذه الشرعية لا تستند إلى إنجاز أو تمثيل حقيقي لإرادة الشعب، بل هي غطاء لحماية مصالح القوى الخارجية وضمان استمرارية النظام الذي يخدم مصالحها على حساب الشعب العراقي وحقوقه الأساسية. إن إنهاء هذه الكذبة يبدأ بالاعتراف بأن الانتخابات الحالية هي أداة لإدامة الخراب، وليست سبيلاً للإصلاح.

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا