بين الظلال ونور الداخل
بقلم/نشأت البسيوني
هناك لحظة في حياتنا نادرة لكنها حقيقية حين نصبح وحيدين مع أنفسنا بلا أي تزييف بلا أي قناع بلا أي صوت خارجي يلهينا عن ما يجري بداخلنا في هذه اللحظة تبدأ الظلال في الحديث كل شيء كان مخفيا يخرج للسطح كل خوف كل شوق كل حب لم يفهم كل فقد كل ألم كل خيبة كل حلم لم يتحقق كل فرصة لم نستطع اغتنامها كل هذه الظلال تتحرك بخفة لكنها تبقى حاضرة بقوة
تعلمنا شيئا واحدا أننا لم نكن ندرك أبدا كم نحن أقوياء وما قدرته أرواحنا على الصبر والتحمل نتعلم أن الحياة ليست مجرد أحداث نتخطاها بل شعور عميق يتخلل كل لحظة شعور يجعلنا نفهم قيمة الصمت قبل الكلام قيمة الهدوء قبل الفوضى قيمة الانتظار قبل الاستسلام قيمة الحب قبل الفقد قيمة النفس قبل الآخرين كل شيء في الحياة له صدى داخلي كل تجربة مهما بدت صغيرة أو
بعيدة تترك أثرا فينا كل ألم يعلمنا كيف نحب من جديد كل فرح يعلمنا كيف نقدر اللحظة كل خيبة تعلمنا كيف نقف من جديد كل سقوط يعلمنا أن القوة الحقيقية ليست في عدم الانكسار بل في القدرة على النهوض بعد كل مرة بعد كل وجع بعد كل ضياع بعد كل خسارة بعد كل صمت مع مرور الوقت نفهم أن الحياة مليئة بالمسارات غير المرئية بالطرق التي لم نكن نعرف أننا سنسلكها
باللحظات التي لم نكن مستعدين لها بالقرارات التي لم ندرك أثرها إلا بعد سنين بالناس الذين دخلوا حياتنا ليعلمونا قيمة الابتعاد قبل أن يعلمونا قيمة البقاء بالحب الذي جاء في وقت خاطئ ليعلمنا الصبر بالخيانة التي جاءت لتعلمنا كيف نثق بحذر بالفرح الذي جاء ليخبرنا أن السعادة لحظات وليست دائمة بالحزن الذي جاء يعلمنا كيف نصنع الفرح بداخلنا بكل شيء صغير وكبير وكل شعور وكل
درس وكل لقاء وكل وداع وكل شيء يجعلنا ما نحن عليه اليوم وأكثر قدرة على فهم الحياة وأكثر قدرة على الحب وأكثر قدرة على الصبر وأكثر قدرة على الوقوف بعد كل سقوط نتعلم أن النضج الحقيقي ليس بعدد السنوات أو التجارب التي نمر بها بل بعدد المرات التي عرفنا فيها أنفسنا عدد المرات التي احتضنا فيها وجعنا بدل الهروب منه عدد المرات التي أحببنا فيها رغم الخوف
عدد المرات التي سمحنا لأنفسنا بالتصالح مع الماضي ومع من نحن عدد المرات التي وقفنا فيها حتى بعد أن شعرنا بأن كل شيء ضاع النضج هو القدرة على إدراك أننا لسنا بحاجة إلى أن يفهمنا الجميع أننا لسنا بحاجة لأن يوافقنا العالم أننا لسنا بحاجة لأن نبرر وجودنا أو مشاعرنا أننا بحاجة فقط لأن نكون صادقين مع أنفسنا مع ما نحب مع ما نحلم به مع ما نشعر به ومع كل ما نختبره في هذه
اللحظة بين الظلال ونور الداخل ندرك أن كل ما مررنا به وكل وجع عشناه وكل فرح لمسنا أثره وكل خيبة كانت درسا وكل حب لم يقدر كما يجب وكل صمت كان أكثر صدقا من الكلام وكل ضياع أصبح اكتشافا وكل تجربة كانت تدريبا على الحياة كل ذلك شكلنا وجعلنا نكتشف أعماقنا أعماق قلوبنا أعماق أرواحنا أعماق قدراتنا أعماق قدرتنا على الحب على الفهم على الصبر على
العيش بوعي كامل على السعادة بصدق، على الهدوء على الصمود على الاستمرار مهما طال الطريق مهما تعقدت الرحلة مهما تأخر الفرح مهما تأخر السلام الداخلي مهما تأخر الحب أو الحلم أو الحقيقة التي كنا نبحث عنها وفي النهاية ندرك أن الحياة ضخم جدا وأن الروح أوسع وأعمق وأن كل لحظة نعيشها مهما بدت صغيرة وكل شعور مهما بدا عابرا وكل تجربة مهما كانت موجعة
أو قصيرة أو بعيدة وكل خطوة مهما بدت بسيطة وكل دمعة وكل ضحكة وكل صمت وكل كلمة لم تقل وكل كلمة قيلت بعفوية وكل مواجهة وكل ابتعاد وكل لقاء وكل رحيل وكل اكتشاف وكل فرح وكل خيبة وكل حب وكل فقد وكل درس وكل وجع وكل شيء مررنا به كل ذلك هو الذي يجعلنا أقوى وأكثر وعيا وأكثر حبا وأكثر قدرة على الفهم وأكثر قدرة على الصبر وأكثر
قدرة على الاستمرار وأكثر قدرة على العيش بسلام وحب داخلي حقيقي وأكثر قدرة على النضج الحقيقي وأكثر قدرة على اكتشاف أنفسنا والعيش مع حياتنا بكل أبعادها ومعانيها
التعليقات الأخيرة