دكتور أشرف حبيب يكتب ….استغاثة وطن ممزق
بقلم الدكتور :- أشرف حبيب
دكتوراه القانون العام - جامعة القاهرة
في زمن تختزل فيه الكوارث بالدعوات، ويختصر الدمار ونزيف الدماء في نشرة مسائية كخبر عابر، يقف السودان كجسد ينزف في العلن بينما العالم يغمض عينية، فالدول الافريقية تقف عاجزه، والدول العربية تكتفى بأن تتمتم أدعية لا توقف الرصاص – لم اقلل هنا من اهمية الدعاء، ولكن حين يستخدم الدعاء كبديل للفعل يُصبح خيانة للإنسانية - ولكن السودان يحتاج إلى ضمير حي، إلى مواجهة، إلى وعي، لا هروب من الواقع الى السماء بالدعاء .
وتثار التساؤلات هنا: لماذا السودان؟ هل يواجه السودان صراع على السلطة أم الثروة أم كليهما؟ واين هي الامم المتحدة، والقوانين الدولية وحقوق الانسان؟!
فهناك عدده قوانين دولية تجرم ما يحدث اليوم في السودان وتعطى الصلاحيات لدول العالم للتدخل ووقف الجرائم الانسانية التي ترتكب في السودان منها على سبيل المثال :
1- ميثاق الامم المتحدة : الذى ينص على أن لمجلس الامن سلطة تحديد ما إذا كان هناك تهديد للسلم أو إخلال له أو عمل عدواني، وله الحق في اتخاذ تدابير لحفظ السلام.
2- التحقيقات في جرائم الحرب: يتعاون الدول في تتبع واعتقال ومحاكمة الذين يرتكبون جرائم حرب، أو جرائم ضد الانسانية، وفقًا لميثاق الامم المتحدة ، ومبادئ القانون الدولي الإنساني .
3- المفوضية السامية لحقوق الانسان في حالات النزاع :
حيث تعمل مفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان في الميدان، من أجل رصد مدى احترام مبادئ حقوق الانسان والتزامات القانون الإنساني، كما تتحقق من الشكاوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان، وتتعاون مع الخبراء في هيئات المعاهدات والاجراءات الخاصة بهدف تحديد هذه الانتهاكات ومنعها في المستقبل.
وتدعم بعثات تقصى الحقائق من أجل مساعدة الدول على معالجة انتهاكات القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني ... .
4- القانون الدولي الإنساني ( قوانين الحرب) مجموعة من القواعد التي تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة، وتحمى المدنيين والمقاتلين الذين توقفوا عن المشاركة في الاعمال القتالية .
5- اتفاقيات جينيف لعام 1949، التي تعتبر الركيزة الاساسية للقانون الدولي الإنساني ، وتنقسم بدورها إلى اتفاقيات تحدد حماية كل من :
- الاشخاص المدنيين في وقت الحرب: حيث تحدد الاتفاقية حماية المدنيين من العنف والاعتداءات .
- المصابين والجرحى والمرضى: توفر لهم الحماية فى ساحة المعركة .
فأين هذه لاتفاقيات والقوانين من الاحداث الجارية في السودان ؟ بل وأين أنا من هذه القضية؟
حقيقتًا أن السودان يعيش اليوم واحدة من أسواء أزماته الانسانية، والقانونية، والسياسية في تاريخه الحديث . لما تقوم قوات الدعم السريع من هجوم على عدة معسكرات للجيش في العاصمة الخررطوم، وغيرها من المدن والمناطق، والعنف قد امتد إلى احياء كثيرة، إلى أن ابتلع الخراب مدن السودان واحدة تلو الاخرى.
فالمشهد لم يعد صراعًا سياسيًا، أو عسكريًا، بل انهيار شامل يلتهم ما تبقى من مؤسسات الدولة، وتحول الوضع إلى ازمة أخلاقية وانسانية تهدد وجود مجتمع كامل، ملايين الاشخاص نازحون الالاف محاصرون بلا غذاء ودواء، مدن كاملة خرجت عن السيطرة.
فهذه المأساة، لا يمكن أن تظل هكذا، بل يجب أن تتحول إلى قضية رأى عام عالمي يطالب بوقف الدماء، وحماية ما تبقى من الابرياء. فالسودان يُقتل بصمت، الدم هناك لا يثير ضميراً بل يستخدم كورق ضغط، كأداة تفاوض.
ورغم من دعوة كل من مصر والامارات والسعودية والولايات المتحدة ، إلى هدنة انسانيه يعقبها وقف دائم لإطلاق النار، وفترة انتقالية نحو حكم مدنى يمتد إلى تسعة أشهر، إلا أنه لايزال حلم السلام معلق على طاولة السياسة .
حيث تتراكم تقارير الامم المتحدة، وتتزاحم التصريحات، ولكن الواقع لا احد يحرك ساكنًا، في الوقت الذى يشير إلى أن هناك الاف القتلى تتحول هذه الارقام إلى مجرد هوامش في سجل اللامبالاة العالمي.
فالمفارق مؤلمة، تكمن في أن العالم يمتلك كل أدواته للتدخل، ولكن يبدو منزوع الإرادة. فإما أن يثبت العالم أنه لايزال يمتلك شيئًا من الانسانية، أو أن يعترف بأن حقوق الانسان مجرد كذبه كبرى تحكمها المصالح لا المبادئ.
لذلك فأنى أشدد في هذا المقال على أن عدم الوصول إلى حل سياسي شامل ، ويشكل خطرًا محدق ليس فقط على ما تبقى من السودان، ولكن يمتد أيضا لشمل دول الجوار.
دكتور أشرف اسحق حبيب توفيق
التعليقات الأخيرة