• مصر
  • الثلاثاء، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥
  • أخر تحديث 02:51:30 PM
news-details
مقالات

من الشواذي إلى الستائر: كيف أضاع السياسيون ثقة الشعب؟

من الشواذي إلى الستائر: كيف أضاع السياسيون ثقة الشعب؟


بقلم/عدنان صگر الخليفه 

تقول الأبيات الشعبية العراقية: "مثل الشواذي الناس ياربي أستر.. واحد طفر غلطان چا كلها تطفر". للوهلة الأولى تبدو هذه الكلمات مجرد وصف ساخر للتقليد الأعمى، لكنها في واقعها تشخيص دقيق لحالة سياسية معقدة. إنها تصف بوضوح كيف تحوّل العمل السياسي في العراق من خدمة عامة إلى سباق محموم لتقليد الفساد، مما أدى إلى أزمة ثقة عميقة بين الشعب وقياداته. هذا الأمر لا يقتصر على مجرد تقليد، بل إنه يبدأ عندما يظهر "الواحد الذي طفر غلطان"، ذلك السياسي الذي قفز فوق المبادئ والأخلاق ليحقق مكاسب شخصية سريعة. وبدلًا من أن يكون مصيره عبرةً للآخرين، يتحوّل إلى نموذج نجاح يحتذى به، فيتنافس عليه الجميع وبسرعة أكبر، مما يجعل الفساد يستفحل في كل مفاصل الدولة.
إن المسرح الذي تتجلى فيه هذه الظاهرة بوضوح هو الانتخابات. لقد تحوّلت العملية السياسية من وسيلة لاختيار الأكفأ إلى ساحة للتنافس القائم على المال والكذب. في ظل نظام المحاصصة، أصبحت الوعود الكاذبة ليست مجرد وسيلة تضليل عابرة، بل "عملاً ممنهجاً" من قبل سياسيين يدركون أن الكذب هو أقصر الطرق للوصول إلى السلطة. إن "المكتسبات" التي يزعمون الحفاظ عليها لم تكن في الحقيقة سوى مصالحهم الشخصية وأموالهم التي نالوها عبر قوانين شرعوها لأنفسهم، تاركين الشعب فيما هو عليه من معاناة وظلم.
وللحفاظ على هذه المكاسب المزيّفة، لجأ السياسيون إلى استخدام "الستائر الدخانية" لإخفاء حقيقة أفعالهم. لقد استغلوا مشاعر الشعب العميقة تجاه الطائفية، والمظلومية، ودماء الشهداء، محوّلين إياها إلى مجرد بيانات وخطابات فارغة. هذه العبارات لم تكن سوى وسيلة لإبقاء الشعب منقسماً ومنشغلاً، بينما يواصلون هم ترسيخ حكمهم كـ"أسياد للسلطة والموقف". هذه البيانات ليست سوى ستار يخفي أنانيتهم وراء أقنعة التضحية والوطنية الزائفة.
في النهاية، لقد أثمرت هذه الدورة المغلقة من الفساد والكذب في النهاية شعوراً عميقاً بالخذلان وفقدان الثقة. بات الشعب يرى أن كل الوعود التي تُقدم هي مجرد "ضحك على الذقون"، وأن الولاء أصبح لمن "خان" وليس لمن صدق. لذلك، فإن الخلاص من هذه الأزمة ليس بالركض وراء المنافقين، بل بالعودة إلى المبادئ. إن الصدق ليس مجرد فضيلة، بل هو مفتاح النجاة الوحيد الذي يمكنه أن يكسر هذه الدورة المفرغة ويعيد بناء العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس من الثقة والشفافية.

يمكنك مشاركته عبر

التعليقات الأخيرة

اترك تعليقًا