الوعي الإعلامي… حين يصبح العقل هو خط الدفاع الأول
بقلم :شحاته زكريا
في زمن تتسارع فيه الأخبار كالسيل وتتشابكس فيه الحقائق مع الأوهام لم يعد خطر التريند في كونه مجرد موجة عابرة بل في أنه تحوّل إلى قوة قادرة على توجيه الرأي العام وصناعة المزاج الجمعي ، أحيانا دون وعي أو تفكير.
اليوم لم تعد المعركة فقط على الأرض أو في ساحات السياسة بل أصبحت في فضاء مفتوح تتدافع فيه الروايات وتتصارع فيه الصور ويتنافس فيه أصحاب المصالح على صناعة الحقيقة أو طمسها.
لقد بات الوعي الإعلامي ضرورة لا رفاهية.
أن نقرأ خلف الخبر وأن نسمع ما وراء الصوت المرتفع وأن نفهم لماذا ظهر هذا التريند الآن تحديدا ومن المستفيد من انتشاره ، وكيف يمكن لمعلومة غير دقيقة أن تتحول إلى كرة نار تُربك مجتمعًا بأكمله.
المعادلة بسيطة:
ليست كل ضجة حقيقة… وليست كل حقيقة تصنع ضجة.
كثير من التريندات تولد مصطنعة تُنفخ فيها آلاف الحسابات وتدفع إلى الواجهة بجهد منظم يهدف إلى التأثير على وعي الناس وتوجيه مشاعرهم. فهناك من يريد صناعة انقسام وهناك من يسعى لإشعال غضب ، وهناك من يحاول فتح معركة وهمية تُبعد الأنظار عن معركة أكبر وأكثر أهمية.
لكن الخطر الحقيقي ليس في صانع التريند…
بل في المتلقي الذي يصدق دون تمحيص ويعيد النشر قبل أن يسأل ويلتحم بالمعركة دون أن يعرف أصل النار التي تشتعل حوله.
إن أخطر ما يمكن أن يواجهه مجتمع هو تحويل الجمهور من متابع إلى مفعول به من عقل ناقد إلى صوت مكرر ومن إنسان واع إلى مجرد رقم في جيوش المشاركة وإعادة التغريد.
ومع ذلك لا يعني الوعي الإعلامي الانسحاب من المشهد أو تجاهل ما يحدث بل يعني المشاركة الواعية:
أن نبحث، ونسأل، ونتحقق.
أن ننظر إلى مصدر المعلومة وأن نميز بين الرأي والخبر وبين الحقائق والتفسيرات وبين ما يُنشر بهدف الإخبار وما يُنشر بهدف الإشعال.
لقد علمنا القرآن الكريم مبدأً خالدا يصلح لكل زمان:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾
وكأن الآية تخاطب زمن منصات التواصل قبل 1400 عام، وتقول لنا: لا تصدقوا كل ما يقال… بل تحققوا.
وفي هذا الزمن أصبح التبين ليس واجبا دينيا فقط بل مسؤولية اجتماعية. فالخبر غير الصادق قد يظلم إنسانا ويشوه مؤسسة ويشعل فتنة ويهز ثقة الناس في بعضها البعض.
الوعي الإعلامي ليس مجرد ثقافة…
إنه سلاح أخلاقي وأمني وإنساني في عالم لم يعد يرحم البسطاء الذين يصدقون بلا تحقق.
والاشتباك مع التريند يجب أن يكون اشتباكا ناضجا:
اشتباك معرفة… لا اشتباك صراخ.
اشتباك يسعى لكشف الحقيقة… لا لإعادة تدوير الشائعة.
في النهاية…
حنكتك ليست في أن تكون أول من ينشر بل أول من يفهم.
وقوة المجتمع ليست في ضجيجه بل في وعيه.
والحقيقة دائما… أقوى من التريند.
التعليقات الأخيرة